عادي

«داعش» في شرقي سوريا.. مهمة مزدوجة

00:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور *

عودة «داعش» إلى منطقة الحدود السورية – العراقية، وقيامه بعمليات إرهابية كبيرة، أصبحت ظاهرة متزايدة الخطورة منذ نحو عام، وبصورة خاصة خلال الأشهر الأخيرة، فبالرغم من القضاء على ما يسمي (الدول الإسلامية في العراق والشام) ومن الهزائم الساحقة التي لحقت «بداعش»، وقتل وأسر عشرات الآلاف من مقاتليه، فقد تمكن آلاف آخرون من الفرار من ميادين المعارك، من بينهم الكثير من العناصر القيادية التي تمتلك خبرات تنظيمية وقتالية كبيرة.

تمكنت فلول «داعش» من إعادة تجميع وتنظيم أعداد غير قليلة من أعضاء التنظيم في مناطق بادية غرب العراق (الأنبار وصلاح الدين وديالى)، وبادية شرق وشمال شرق سوريا، (وخاصة دير الزور والحسكة والأطراف الشرقية لمحافظة حمص)، مستغلين التضاريس الوعرة لهذه المناطق، وما يوجد فيها من تلال وكهوف ومغارات، ومستفيدين من البيئة الاجتماعية العشائرية الحاضنة للاختفاء في صورة تجمعات صغيرة، و«خلايا نائمة»، والإعداد لشن الهجمات الإرهابية، وبصورة خاصة في الجانب السوري من الحدود، علماً بأن المساحات الشاسعة ووعورة الت

ضاريس تتيح لهم التنقل بين جانبي الحدود بسهولة نسبية، خاصة في المناطق الصحراوية التي ليس فيها وجود عسكري مكثف، كما أن قاعدة «التنف» الأمريكية الضخمة على رأس مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية تمثل بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين ممراً آمنا، لا تستطيع القوات السورية ولا العراقية مطاردتهم عبره.

حشود الإرهابيين.. من أين؟

يقدر بعض المراقبين الغربيين عدد إرهابيي «داعش» في منطقة الحدود السورية – العراقية بسبعة آلاف مقاتل. بينما يؤكد مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (فلاديمير فورونكوف) عددهم (بعشرة آلاف)، يضاف إليهم أعضاء العديد من تنظيمات أخرى أصغر. (RT – 16 مايو 2021)، فضلاً عن مئات من «الداعشيين» في إدلب، ومئات آخرين في ليبيا.

ويضم هؤلاء آلاف الأعضاء الفارين ممن سبقت الإشارة اليهم، كما يضمون المئات من أسرى التنظيم الذين تفرج عنهم «قسد» من وقت لآخر، استجابة لطلبات شيوخ العشائر التي ينتمي إليها هؤلاء الإرهابيين، أو رغبة في التقرب من هذه العشائر. ( اندبندنت عربية – 15 أكتوبر 2020)، ومنهم مثلاً (أكثر من ستمئة إرهابي) تم الإفراج عنهم دفعة واحدة، بينما يفر عشرات آخرون في أعقاب أحداث تمرد أو شغب في سجون ضعيفة الحراسة. إلا أن اللافت للنظر حقاً، هو قيام القوات الأمريكية بنقل العشرات من أسرى «داعش» من السجون إلى قاعدة «التنف» السابق ذكرها. وكما هو معروف على نطاق واسع حول عبور الإرهابيين من سوريا إلى العراق عبر قاعدة «التنف» يجعل الحديث عن الدور الأمريكي في التعامل مع أسرى «داعش»، هو الآخر، حديثاً قابلاً للمناقشة على الأقل، خاصة في ضوء الدور الوظيفي «الذي يقوم به «داعش» في شن الهجمات الإرهابية على القوات السورية والأهداف المدنية والاقتصادية، بما يخدم استنزاف سوريا، وإطالة أمد الحرب، وهو هدف لا تخفيه واشنطن، وكذلك في ضوء ما تبديه «قسد» من عداء لدمشق، ومنع لوصول القمح وغيره من المحاصيل الزراعية من مناطق شرق الفرات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، فضلاً عن اشتراك الطرفين (الأمريكي والكردي) في الاستيلاء على البترول والغاز في شرق الفرات، وبيعه خارج البلاد وحرمان السوريين منه.

تكتيكات حرب العصابات

ويلاحظ أنه منذ بدأ «داعش» بإعادة تجميع صفوفه أوائل العام الماضي، (أي بعد عام تقريباً من هزيمته الساحقة في معركة «الباغوز» على الحدود السورية – العراقية)، فقد لجأ إلى استخدام تكتيكات «حرب العصابات» ضد الأهداف العسكرية والمدنية السورية، حيث تتجمع فرق صغيرة من مواقع مختلفة لتقوم بشن هجمات كبيرة، أو صغير نسبياً، ثم تتفرق عائدة إلى قواعدها.. وهو ما حدث مثلاً في الهجوم على موقع (السخنة) لاستخراج الغاز في بادية حمص، حيث تمكنت قوات الإرهابيين من قتل (18 جندياً سورياً)، قبل أن يتدخل الطيران الروسي بقوة كبيرة لإحباط الهجوم، وهو أيضاً ما يحدث في صالات تنظيم الهجمات ضد المواقع العسكرية السورية، أو إقامة كمائن للحافلات العسكرية وقتل الجنود كما حدث مؤخراً. وكلها تحركات تشير إلى وجود تنظيم محكم، واستطلاع قوي من الصعب أن تمتلكه هذه العصابات، بالرغم من وجود مخبرين لها في مناطق التجمعات السكانية، ذلك أن الاستطلاع في مسرح عمليات واسع يمتد من غرب العراق إلى شرق سوريا يحتاج إلى وسائل أكثر تقدماً، (جوية على الأقل)، من الصعب للغاية أن يمتلكها «داعش».

من المستفيد؟

وإذا كانت أوضاع مسرح العمليات في شرقي سوريا وغربي العراق من مساحات شاسعة وتضاريس وعرة، وكذلك وجود الحاضنة الاجتماعية العشائرية المواتية، كافية لتوضيح ظروف إعادة انتشار «داعش» في المنطقة، إلا أنها ليست كافية لتفسير تضخم عدده ونشاطه الكبير على النحو الذي نراه. هنا لا بد من النظر الى عمليات الإفراج المتتالية عن الأسرى، أو إطلاق سراح عدد كبير من الموجودين في مخيم الهول من أعضاء «داعش» وأسراهم.. وكذلك التراخي الكبير الذي تظهره «قسد» في مواجهة أنشطة «داعش» الإرهابية الواسعة، ولكون الأخير لا يهاجم قوات «قسد»، بالرغم من العداء الناتج عن هزيمتي الرقة والباغوز الكبيرتين.. وما يفسر الأمر هو (الدور الوظيفي) «لداعش» في مواجهة النظام السوري الذي أصبحت قواته موجودة في شرقي الفرات منذ أواخر عام 2019. فالحقيقة أن استنزاف الوجود العسكري السوري شرقي الفرات يحقق مصلحة «لقسد» في إبعاد هذا الوجود عن استهدافها، واستمرار استغلالها المشترك لنفط وغاز وثروات المنطقة (مع أمريكا). ثم في شروط أفضل للتسوية مع دمشق.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة (والتحالف الدولي ضد الإرهاب)، فإن التراخي شديد الوضوح في مواجهة «داعش» يفسره الاهتمام بإطالة أمد الحرب، واستنزاف سوريا بهدف تركيعها..

إن وجود «داعش» يحقق مصلحة أمريكية في قطع طريق (طهران – بغداد – دمشق – بيروت)، ويمثل دعماً للقوات الأمريكية في سوريا.. واحتياطياً مهماً ضد القوات الروسية شرقي الفرات.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"