مصائب العراق

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

المصائب في العراق لا تأتي فرادى، وكأن أبا الطيب المتنبي كان يقصد العراق عندما قال «فَصِرتُ إذا أصابتني سهامٌ تكسرت النصالُ على النصالِ».

 لم يعد جسد العراق يتسع للجروح، فمن حريق مستشفى إلى حريق مستشفى آخر، ومن عمل إرهابي إلى عمل آخر. وكأنه كتب على «أرض السواد» التي كانت تطلق على العراق لاخضرار أرضه، أن تكتسي بالسواد الحقيقي، حيث الموت يجوب أرجاءه، والحزن يعم دياره، والإرهاب يطل من كل ناحية، والفساد ينخر جسده. ولا ماء ولا كهرباء، ولا وطن حقيقي يحتضن أبناءه، بعدما مزقته الطائفية و«المحاصصة» والمحسوبيات وحولته إلى أرض لصراعات الأقربين والأبعدين، ونافذة مشرعة لكل طامع وطامح.

 هذا العراق، ضربته يوم أمس الأول مجدداً يد الإرهاب الحاقد في سوق شعبي في مدينة الصدر ببغداد، كان مكتظاً بالبسطاء والفقراء الذين كانوا يبحثون عن شيء رخيص من ملابس وطعام يقدمونه لأولادهم في العيد، لكن يد الغدر كانت بالمرصاد، فحولت أكثر من 35 بريئاً إلى أشلاء، والعشرات جرحى، وبعضهم في حالة حرجة.

 تنظيم «داعش» الإرهابي أعلن مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة، وتباهى بأن انتحارياً يدعى «أبو حمزة» نفذ عملية انتحارية وسط تجمع للناس. وهذا يعني أن «داعش» لا يزال قادراً على الإيذاء، وأن خلاياه النائمة يمكن تحريكها في الوقت المناسب والمكان المناسب، حيث يمكنه الضرب بعنف، وكعادته لا يميز بين رجل وامرأة وطفل، أو بين مدني وعسكري، أو بين من ينتمي لهذه الطائفة أو تلك.

 إنه العنف الأعمى، والتطرف المتوحش، والغلو في الدين، واستباحة الإنسان، والتكفير الذي لا يستوي مع قيم السماء والأرض، وفوق ذلك، إنه العمل الرخيص في خدمة أجندات مشبوهة تستهدف تدمير الوطن والحياة.

 تحاول حكومة مصطفى الكاظمي جهدها لاستعادة العراق في أمنه واستقراره، ودرء الأخطار عنه، وتوفير ما أمكن من سبل العيش الكريم لأبنائه، ومحاربة الفساد، والتخفيف من وطأة «المحاصصة» الطائفية، وإجراء انتخابات تعبّر عن تمثيل شعبي معقول، تعيد تشكيل السلطة بوجوه جديدة غير ملوثة، إلا أن هذه الأهداف تواجه عقبات وتحديات، وتحتاج إلى جهود جبارة، لأن القوى المتضررة ستعمل على العرقلة كي لا تفقد دورها وسبب وجودها، كما أن الإرهاب سوف يبقى سيفاً مسلطاً على رقاب العراقيين طالما وجد حواضن هنا وهناك، وطالما أن الساحة ما زالت مفتوحة ويمكن العبث بها.

 لا تكفي إقالة مسؤول عسكري أو مدني من هنا أو هناك، ولا يكفي إجراء تحقيق في حريق أو تفجير، ولا تكفي الإدانة والأسف والاستنكار. المطلوب عمل جدّي وجريء، ومواجهة التحدي بالتحدي، والضرب بيد من حديد من دون رحمة، لأن الفاسد هو إرهابي، ومستخدم الدين في السياسة هو إرهابي..واجتثاث كل هؤلاء واجب وطني..وإلاّ فإن مصائب العراق لن تتوقف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"