عادي

العقوبات على روسيا.. رأس جبل الجليد

22:50 مساء
قراءة 5 دقائق

كتب: وائل بدر الدين
بعد أقل من 3 سنوات على اتهامها بمحاولة اغتيال العميل المزدوج سيرجي سكريبال في الأراضي البريطانية وإعلان رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي مقاطعة مسؤولي حكومتها وأفراد العائلة الحاكمة لمونديال 2018 الذي استضافته روسيا في ذلك العام، ها هي روسيا تعاود الكرّة مرة أخرى، فأصابع الاتهام توجهت إليها مجدداً بعد تسمم المعارض الروسي ألكسي نافالني، ما دفع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو، متمثلة في بعض أبرز مسؤولي حكومتها ومؤسساتها.

رفضت موسكو النتائج التي توصل إليها الخبراء حول تحقيقاتهم في تسميم نافالني، واتهمت الغرب بشن حملة تشويه منظمة ضدها، فبين خفايا تلك القضية، هنالك الكثير من المغالطات والجدل الدائر بين أطرافها، ويبدو أن ما ظهر إلى العلن ما هو إلا رأس الجبل الجليدي العملاق.

أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قبل عدة أشهر فرض عقوبات على شخصيات وكيانات روسية على خلفية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، والذي يعد أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمر بوتين؛ حيث أكد مسؤولون في الإدارة الأمريكية، أن العقوبات موجهة نحو عدد من المسؤولين والكيانات الرسمية في روسيا، وأنها جاءت بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي. المسؤولون أشاروا أيضاً إلى أن الاستخبارات الأمريكية توصلت إلى أن الحكومة الروسية هي من تقف وراء الهجوم على نافالني باستخدام نوع خطِر من الغازات الكيميائية، وكان نافالني على وشك الموت لولا التدخل الطبي الذي أنقذ حياته.

استفزاز الدب الروسي

وفي خضم تلك الاتهامات والعقوبات، فإن موسكو تنفي بشدة ضلوعها في تسميم نافالني وتقول إن النتائج التي توصل إليها المحققون لا تكشف كامل الحقائق. وأكدت تقارير صحفية أن تلك العقوبات تستهدف سبعة مسؤولين روس و14 مؤسسة ترتبط بإنتاج مواد كيميائية. وأشار البعض الآخر إلى أن محاولة روسيا اغتيال نافالني بهذه الطريقة يعني أن روسيا لا رادع لها في تبني هذا النوع من عمليات الاغتيال.

يرى مراقبون أن العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب سجنها للمعارض، والمخاوف المرتبطة بإمكانية وفاته في المعتقل، تؤكد النهج المختلف للإدارة الأمريكية الحالية في التعامل مع الجانب الروسي، بما يخالف عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي رفض فرض أي عقوبات على موسكو خلال فترته الرئاسية، على الرغم من الدلائل ونتائج التحقيقات التي أكدت تورط الجانب الروسي في هذه العملية، لكن علاقته التي يراها العالم وطيدة بينه والرئيس الروسي بوتين كان لها دور كبير في تجنب فرض أي عقوبات عليها.

روسيا من جانبها تؤكد أن هذه الاتهامات تهدف إلى تقويض الدور الروسي المتنامي حالياً على الخارطة الجيوسياسية العالمية، وأنها في الواقع لا طائل منها سوى استفزاز الدب الروسي وجره إلى معارك جانبية تقلل من تركيزه على تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية، وأن ذلك يأتي ضمن سياسة تخلو من المنطق وتؤدي إلى الإضرار بالعلاقات الثنائية معها، داعية الجانبين الأمريكي والأوروبي إلى عدم اللعب بالنار وتوجيه هجوم معادٍ ضدها.

ويبدو أن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما زالا يخبئان المزيد من العقوبات الأكثر صرامة في حال وفاة نافالني بمعتقله، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على العملاق الروسي الذي تشير مصادر إلى أنه يعاني داخلياً، وربما تؤدي العقوبات إلى فرض ضغوط سياسية يمكن من خلالها تحقيق أقصى فائدة ممكنة للاتحاد الأوروبي في تحجيم دور موسكو على الخارطة الجيوسياسية في المنطقة.

تحاول الدول الأوروبية والولايات المتحدة تغيير ما تسميه تشدداً من جانب روسيا فيما يتعلق بالحريات السياسية فيها؛ حيث يقضي نافالني المسجون حالياً بمنطقة تبعد نحو 200 كلم من موسكو، حكماً بالسجن لعامين ونصف بسبب نشاطه السياسي الذي ينتقد بشدة ممارسات الفساد وبعض الشخصيات البارزة على رأسهم الرئيس بوتين، لكن طبيعة العقوبات المفروضة حالياً على روسيا، يبدو أنها لن تؤثر بشدة في وضعها الاقتصادي وقدرتها على مواصلة نفوذها السياسي في المنطقة وفقاً لمحللين، لكنه وفي حال وفاة نافالني، فإن الأوضاع ستتغير بلا شك نحو مزيد من الضغوط الاقتصادية التي ستقوض بالتالي من نفوذها السياسي بمحيطها.

شبه جزيرة القرم

أشار بعض المحللين أيضاً إلى أن العقوبات الأمريكية الأوروبية على موسكو، من الممكن أن يكون الهدف منها ممارسة الضغوط على روسيا للانسحاب من شبه جزيرة القرم التي استولت عليها بالقوة في عام 2014، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في علاقاتها مع العالم وخاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تحذيرها من شن هجوم عسكري ضد أوكرانيا؛ إذ نقلت مصادر إعلامية، أن الجيش الروسي يحشد عدداً كبيراً من قواته على الحدود مع أوكرانيا بهدف شن هجوم خاطف، لكنه وفي ظل الظروف الراهنة حالياً، فإن قيام روسيا بخطوة كهذه ستكون مخاطرة غير محسوبة العواقب، وهي تدرك ذلك وتعلم بأن دخولها أوكرانيا يمكن أن يعزز من حالة عدم الاستقرار التي تشهدها تلك المنطقة، خاصة في ظل التغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم في أنحاء متفرقة وخصوصاً أفغانستان.

موقف اليابان

وقد كانت المفاجأة التي وقعت على رؤوس بعض المراقبين كالصاعقة، انتقاد بعض الدول لتلك العقوبات، على الرغم من أنها محسوبة على المعسكرين الأمريكي والأوروبي، فاليابان قالت وقتها على لسان الأمين العام للحكومة كاتسونوبو كاتو، إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكدت أنها وجدت مواد سامة في جسم المعارض الروسي أليكسي نافالني، لكنها لم تحدد هوية من استخدمها ضده، وأضاف بالقول إن عدم وجود دلائل واضحة على تورط روسيا في تلك العملية يعني أن العقوبات مبنية على فرضيات وأحكام ظرفية غير مؤكدة. ومن المثير للاهتمام في هذا الجانب، أن اليابان لا تتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع روسيا في ظل نزاعها الجاري معها حول جزيرة إيتوروب التي زارها مسؤولون روس في وقت سابق، والحساسية التي تعانيها روسيا تجاه اليابان بسبب تعاونها العسكري الكبير مع الولايات المتحدة.

وكان لتهديد روسيا بقطع علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي في حال فرض العقوبات، أثر كبير في التخفيف من حدتها، خاصة مع الموقف الضبابي الذي ظهرت به ألمانيا تجاه العقوبات؛ حيث يرى مراقبون العلاقة بين كل من ألمانيا وروسيا على أنها الأكثر متانة للجانب الروسي مع الدول الأوروبية، في ظل محاولات برلين التخفيف من حدة التوترات بين الجانبين ودعوتها المستمرة للجلوس إلى طاولة الحوار، بسبب مصالحها الكبيرة مع موسكو وتمسكها بمشروع الغاز الطبيعي، وميل المستشارة الألمانية ميركل إلى تبني سياسة أقل عدوانية مع روسيا، لكن مغادرتها الوشيكة لمنصبها، من المتوقع أن تؤدي إلى مزيد من الاحتقان بين الجانبين بعد أن كانت ميركل تلعب دور الوسيط الراغب في إيجاد حلول أكثر واقعية لنقاط الخلاف بينهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"