مستقبل أفغانستان

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

تخلصت أفغانستان من الاحتلال، لكن السلام مازال بعيداً. حصلت على الاستقلال لكنها تفتقد الاستقرار. مستقبلها مازال غامضاً، حكم طالبان في بدايته ولا أحد يعرف كيف ستدير الحركة البلاد، وكيف ستحل مشاكلها المزمنة. كل أسباب وعوامل الانفجار الداخلي قائمة وكامنة وملتهبة. وإذا كان الأمريكي قد ذهب فلا يعني هذا أن المدافع ستصمت، فقد سبق أن انسحبت القوات السوفييتية في 1989، ثم اندلع القتال الضاري بين الجماعات الأفغانية التي كانت تجاهد ضد السوفييت، ولا يوجد ما يمنع تكرار ذلك، الآن، بعد رحيل القوات الأمريكية.

الفسيفساء العرقية التي يتكوّن منها المجتمع الأفغاني تجعل تماسكه هشاً وضعيفاً ومهيأ للانفجار في أي وقت. هناك نحو 30 جماعة عرقية وطائفية أكبرها الجماعات الأربع المعروفة: الهزارة، والطاجيك، والأوزبك، والباشتون. والأخيرة تهمين على الحكم منذ 1747 باستثناء فترات قليلة.

ويسود اعتقاد تغذّيه هذه الجماعة نفسها بأنها الأكبر، غير أنه لا يوجد ما يؤكد هذا، فلم تعرف البلاد التعدادات السكانية الرسمية، كما تعاني مشاكل مزمنة أخرى أهمها الفقر، وقلة فرص العمل، والانهيار الاقتصادي، والمخدرات والإرهاب، وهو ما يجعل اندلاع العنف ممكناً دائماً.

ومهما كانت قدرات طالبان فلن تستطيع ضمان الاستقرار؛ لأنها لا تمتلك حلولاً لتلك الأزمات المعقدة؛ لذا تظل كل الاحتمالات السعيدة والمخيفة مطروحة بشأن مستقبل أفغانستان. وللباحثين الغربيين اجتهادات كثيرة في هذا الصدد، غير أننا سنتوقف هذه المرة عند دراسة لجامعة البنجاب الهندية ترسم أربعة سيناريوهات لن يخرج عنها مستقبل البلاد.

السيناريو الأول، وهو ما توصي بتطبيقه الدراسة التي نشرها موقع «يورواسيا»، هو تغيير نظام الحكم؛ أي التحول من الحكم المركزي القائم منذ 1747 وثبت فشله، إلى حكم فيدرالي غير مركزي، يعتمد على وجود حكومات محلية في الأقاليم مع حكومة فيدرالية في كابول.

تشير الدراسة إلى أن الهند وباكستان ولديهما نفس التركيبة العرقية والطائفية واللغوية، تطبقان هذا النظام بنجاح، وهو الحل الوحيد لتجنب الصراعات العرقية والطائفية.

السيناريو الثاني، هو تحول البلاد إلى عراق جديد؛ أي اندلاع صراع طائفي وعرقي بين مكونات المجتمع على غرار ما حدث بعد سقوط نظام صدام حسين. ولا يوجد ما يضمن ألا يتورط الباشتون بحكم امتلاكهم للسلطة والسلاح في ممارسات تعتبرها جماعات عرقية أخرى، نوعاً من الاضطهاد ضدها، بما يؤدي إلى اقتتال داخلي. التطورات في هذه الحالة مثيرة للقلق ليس فقط لوفرة السلاح ووجوده في أيدي الجميع، لكن أيضاً لانتشار جماعات مسلحة ومنظمة ستجدها فرصة لاستقطاب العناصر الغاضبة من كل طائفة.

على سبيل المثال سينضم الهزارة إلى ما يسمى بجيش الفاطميين وله امتداداته داخل إيران، بينما سينضم الأصوليون من الطاجيك والأوزبك إلى «داعش خرسان»، فيما قد يفضل آخرون من نفس المجموعات ولكن من غير الأصوليين الانضمام لجبهة المقاومة الوطنية التي يقودها أحمد مسعود ابن القيادي الراحل أحمد شاه مسعود.

التقسيم هو عنوان السيناريو الثالث، فاندلاع حرب أهلية جديدة يمكن أن يقود في النهاية، إلى تقسيم أفغانستان، وهو حل قد تضغط الدول المجاور لفرضه، خوفاً من تدفق المهاجرين إلى أراضيها ومعهم المخدرات والعناصر الإرهابية. التقسيم في هذه الحالة سيكون في صورة دولتين في الشمال والجنوب.

السيناريو الأخير، لا يقل سوءاً عن الاثنين السابقين، وهو تفتيت البلاد على أساس عرقي، وضم كل جزء إلى دولة مجاورة؛ أي تنضم مناطق الطاجيك إلى طاجيكستان، والأوزبك إلى أوزباكستان. ويذهب الباشتون إلى باكستان ويبقى الهزارة في الوسط بدولة مستقلة. في هذه الحالة سيكون الصراع إقليمياً وليس داخلياً؛ لأن هذه الدول لن تلبث أن تتصارع على اقتسام الغنيمة الضخمة طمعاً في المزيد من الأراضي والثروات الطبيعة. إنه سيناريو لحرب إقليمية تفجر آسيا كلها.

لذلك قد يكون الحل الذي يضمن الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها هو إقامة نظام فيدرالي. الحروب أرهقت أفغانستان، وآن لها أن تستريح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"