عادي

أوجو فوسكولو.. شاعر الضمير الإيطالي

22:36 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

كثير من الشعراء لعبوا هذا الدور الكبير الذي لعبه الشاعر الإيطالي الكبير أوجو فوسكولو (1778 1827) مؤلف رواية «رسائل ياكوبو أورتيس الأخيرة» التي ترجمتها إلى العربية شيماء حسن، وقدم لها د. حسين محمود، فقد كان فوسكولو مناضلاً، حمل قضية وطنه في قلبه وعلى كتفيه، وأقسم على أن يناضل من أجله أو يموت دونه، فقد اختار أن يكون صوتاً يوقظ الضمير الإيطالي، وخاصة عند الشباب البرجوازي وغير الشباب، طالما كانوا من المستنيرين الذين يمكنهم أن يقبلوا بانتقاده الشديد للضمير الإيطالي.

كان فوسكولو شاعراً وناقداً وكاتباً مسرحياً، إضافة إلى كونه مناضلاً وطنياً، متأثراً إلى حد كبير، بالمبادئ التي قامت عليها الثورة الفرنسية، وكذلك بالتيار الرومانتيكي الوليد الذي مثل فيه الشخصية الرئيسية الانتقالية في تاريخ الأدب الإيطالي، حيث تلقى تعليمه الجيد في الفلسفة والكلاسيكيات والأدب، وفي عام 1792 انتقل إلى البندقية، حيث انخرط على الفور في النضال من أجل الاستقلال، وبعد كتابة «قصيدة بونابرت المحرر» بدأ حياة المنفى، حيث قاتل ضد النمسا، وانتهى هذا النشاط العسكري تقريباً في عام 1805.

1

عبر فوسكولو عن الحياة التي عاشها، وهي حياة مزدوجة تجمع بين المآثر العسكرية وقصص الغرام العديدة التي مر بها، كان النضال من أجل الوطن والحب شيئاً واحداً، كل منهما يؤدي إلى الآخر على نحو ما، وقد عمل فوسكولو ناقداً أدبياً، وكان أستاذاً للبلاغة في الجامعة، وقد تبنى وجهة نظر كانت جديدة في إيطاليا في ذلك الوقت، وتقضي أن الجمال الشعري ينشأ من انصهار التراث الشعري مع عبقرية المبدع الفرد، ولعل هذا ما طبع أعماله بالإحالات المتعددة للتراث الشعري الإيطالي.

تصور رواية «رسائل ياكوبو أورتيس الأخيرة» حياة الشاعر والمفكر والمثقف، بعد طرده من منزله في البندقية بسبب الاحتلال الأجنبي، فيضرب في الأرض بوجهه، وبخيبة أمل من الحب الذي لم يتحقق، والراحة التي لا يدركها إلا في مشهد مقابر العظماء، ينتحر ياكوبو، وبالتالي ينهي صراعه الوحيد ضد الاستبداد والنفاق.

إن حيوية فوسكولو وسعيه من أجل الحرية، يفسر شعبيته الهائلة خلال النضالات الإيطالية اللاحقة من أجل الوحدة والاستقلال، وفضلاً عن أنها رواية رسائل، تعتبر أيضاً سيرة ذاتية، فالرسائل يمكن مطابقتها في الواقع مع حياة المؤلف.

تحملت هذه الرواية عدة تغييرات معقدة، حيث أعاد المؤلف صياغتها مرات كثيرة، وهو ما يؤكد أنها كانت عزيزة عليه، ويفسر ظهور عدة طبعات لها في مدن مختلفة داخل إيطاليا وخارجها، وكأنها كانت ترافق مشوار كتابته المتوازي مع مشوار نفيه من بلد إلى آخر، بسبب مواقفه النضالية ضد المحتل، الذي استولى على مدينته البندقية. أما النسخة الأخيرة فقد تمت صياغتها ومراجعتها في المنفى الاختياري الأخير في لندن، وفي مدينة الضباب توفي عن عمر يناهز التاسعة والأربعين، بعد أن احترق بنار حياته المراوحة بين البؤس والمرارة.

الرواية تمثل جزءاً من حياة مؤلفها، ويختلط فيها الواقع بالخيال الروائي لسبب رئيسي هو أن حياة المؤلف هي رواية في حد ذاتها، تبدأ منذ ولادته في جزيرة يونانية كانت تتبع البندقية، وتنتهي بعد قصص حب مضطربة بعضها مأساوي، كما يظهر في الرواية. كانت هي السر وراء إلهامه الشعري، ومع هذه القصص الملهمة مع النساء عاش خيبة أمل أساسية لم تنته، لكن حياته هي التي انتهت في ضاحية من ضواحي لندن، فقيراً بائساً، يطارده الدائنون.

فوسكولو ابن الثقافة المادية لعصر التنوير، لم يستطع تحمل فكرة أن كل شيء ينتهي بالموت، وهو ما كوّن لديه وهم القبر؛ الموضوع الذي كتب فيه كثيراً، وتسرب إلى جميع أعماله، فبدا القبر شبحاً يطارده في كل مكان وفي كل لحظة حتى اعتاد عليه، واللافت أن هذا الشاعر رفض ما قبِله كتاب وشعراء آخرون، من مناصب مرموقة عرضت عليه، وكان من شأنها أن تنقذ حياته من الخلل والاضطراب، واحتقر دائماً الخنوع والانتهازية. عاش حياة خطرة، لكنه ظل حراً متسقاً مع ذاته، ومحباً للجمال، وفكرة أن يكون له وطن عظيم، وفي كل هذا كان صادقاً يثير الإعجاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"