الرئيس الروسي والمخططات الغربية

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

كأنما كرر الرئيس الروسي بوتين مقولة الزعيم الشيوعي لينين عندما قال قبل إعلان ساعة الصفر للثورة الشيوعية في 26 أكتوبر 1917:«أمس سيكون مبكراً وغداً متأخراً». ولعل بوتين اعتبر الهجوم على أوكرانيا ضربة استباقية ضد ما يعتقد أنه مخطط غربي بشأن روسيا، فهو يهرب إلى الغد لأنه يخشى الأمس، ويرى أن حلف الناتو يزحف رويداً لحصار روسيا لتغيير واقعها تحت شعار حقوق الإنسان والديمقراطية وإعادتها إلى الوضع كما كان في عهد يلتسين، حيث سيطرت طبقة من الرأسماليين الجدد المدعومين من الغرب على الثروات ومفاصل السلطة في روسيا. 

 الآن يصف الغربيون الرئيس الروسي بأنه «دكتاتور» والبعض يدعو للقتال كما كان ضد النازية. بل إن وزيرة الخارجية البريطانية دعت العسكريين السابقين في أوروبا للالتحاق بمراكز معينة للقتال في أوكرانيا ضد روسيا قائلة «معاً نهزم هتلر الجديد». 

 التاريخ يقول إن الفضل الأكبر لهزيمة الزعيم النازي هتلر هو لروسيا الشيوعية وصمودها أمام الزحف النازي والتضحيات التي قدمها الشعب الروسي وحلفاؤه من شعوب الاتحاد السوفييتي السابق، حيث بلغ عدد ضحايا الحرب من الروس قرابة 18 مليوناً وهي الأكبر في التاريخ. كما أن روسيا القيصرية لها الفضل في إلحاق الهزيمة بنابليون بونابرت بعد حملته الفاشلة في روسيا، بل لاحقه الجيش الروسي حتى فرنسا وسمي القيصر الروسي الكسندر الأول بمنقذ أوروبا.

 يرفض الغرب الآن أية مقارنة بين غزوه لدول أخرى وما يحدث في أوكرانيا، ويعتبرون أن الغزو الأمريكي والغربي للعراق وأفغانستان وليبيا وسوريا أمر آخر، لأن أوكرانيا دولة أوروبية متحضرة وغيرها لا يدخل في الحساب.

 روسيا أنقذت أوروبا من هتلر ونابليون، وعاد النازيون الجدد كأحزاب شرعية في ألمانيا وإيطاليا والنمسا وهولندا وتشيكيا وهنغاريا وأوكرانيا، لكن عدوهم الآن هم الروس.

 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تلقت موسكو قبل ثلاثة عقود تأكيدات من حلف الناتو بأنه لن يتوسع شرقاً لكن الحلف ضم أغلب الدول الشرقية في أوروبا تباعاً وأخذ يغازل أوكرانيا بعد إطاحة الموالين لموسكو من السلطة من خلال ما سمي ب «الثورة البرتقالية» وظل الأمر كذلك. ولعل معضلة إقليم الدونباس ذي الأغلبية الروسية فجرت الوضع سنة 2014 وانتهت باتفاق مينسك، لكن الاتفاق ظل بلا تنفيذ ولحقته أزمة القرم، وهما تاريخياً إقليمان روسيان تم ضمهما إلى أوكرانيا من قبل لينين وهو أوكراني الأصل. فمدينة كييف هي الأقدم في روسيا القديمة وهي «الأرض الأم» للقومية الروسية السلافية القبلية وقربها قبيلة الأوكران السلافية أيضاً، فالقبيلتان تشتركان في الأصل وتقارب اللغة. ولعل التقسيمات الإدارية الشيوعية أدت إلى إلحاق مناطق من دول إلى أخرى.

 القضايا الحدودية الروسية العالقة مع جوارها كثيرة سواء مع لاتفيا أو مع فنلندا في القطب الشمالي أو مع اليابان حول جزر بينهما. ولا ننسى أنه قبل أكثر من 170 عاماً عندما نشبت الحرب بين الولايات المتحدة والمكسيك، احتلت أمريكا العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، وبموجب «معاهدة غوادالوبي» حصلت بالقوة على أراضي ولايات كاليفورنيا ونيفادا ويوتا ومعظم أريزونا ونيومكسيكو وأجزاء من كولورادو ووايومينج. وهو ما أشار إليه المندوب المكسيكي في مجلس الأمن قبل أيام.

 إن تجليات الأزمة الحالية إن لم تحسم بالتفاوض؛ فقد تتدحرج إلى حرب عالمية مدمرة لأن التشجيع الغربي لأوكرانيا أولاً، ثم الوعود بالدعم أضر بأوكرانيا التي اضطرت لأن تواجه أكبر قوة وحدها، ولعل إمداد أوكرانيا بالسلاح والمتطوعين يعني تبرير أي رد فعل روسي خارج حدود أوكرانيا وتوسيع نطاق الحرب. فالمعجزة فقط تستطيع إنقاذ الوضع من كارثة عالمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"