فخ التقلب يقود الخروج الجماعي من سوق النيكل

22:17 مساء
قراءة 4 دقائق

آندي هوم *

دون أدنى شك، انخفض متوسط أحجام النيكل اليومية بشكل حاد في مارس/آذار مقارنة بالشهر الذي قبله، والجيد في الأمر أن نسبة الانخفاض كانت 2% فقط من تلك التي حدثت في نفس الفترة من العام الماضي، وهو أمرٌ ليس بالهين بالنظر إلى وقف التداولات لمدة ستة أيام والعودة المتقطعة بعد ذلك.

لكن النبأ السيئ هنا بالنسبة لبورصة لندن للمعادن هو أن معظم التداولات كانت على ما يبدو اندفاعاً جماعياً للتخارج من الباب الضيق من استثمارات المعدن الحيوي، حيث انخفضت الفائدة المفتوحة في سوق النيكل إلى مستويات لم تحدث منذ عام 2013. وكان التخارج مثيراً بنفس القدر في الصين، فهوت الفائدة كذلك في تداولات عقود النيكل الآجلة داخل بورصة شنغهاي وصولاً لأدنى مستوى لها منذ إبريل/نيسان 2015.

لا تزال أسعار النيكل قوية والمراكز البيعية الكبيرة معلقة في السوق، والتدافع المتسارع نحو الانسحاب قد يفتح الأبواب نحو نقص السيولة ومصائد التقلب. وشراسة تداولات المعدن تجعل منه حالة خاصة، لكن أسعار النيكل المرتفعة تتسبب في خطر أوسع مقارنة بقطاع المعادن الصناعية الأخرى حيث يكافح حتى أكبر اللاعبين للتعامل مع تكلفة مراكز التمويل. وفي الواقع، يحذر بنك جولدمان ساكس من أن أجزاء متعددة من مجمع السلع معرضة لخطر الوقوع في فخ تقلب دائم.

ويصف البنك فخ التقلب هذا بأنه افتقار إلى رأسمال المخاطر، ما يقلل المشاركة في السوق، ويؤدي إلى انخفاض السيولة وتفاقم التقلبات، كما يزيد من تثبيط المقرضين والمستثمرين المحتملين، ويعزز المشاركة المنخفضة والتقلبات العالية.

وهناك أسباب واضحة للتجار للتخفيف من انكشافهم لمخاطر النيكل، من إلغاء بورصة لندن للصفقات، أو هوامش الربح، أو احتمالية تعزيز التدقيق التنظيمي في كل من لندن والصين. لكن السؤال يبقى مطروحاً بخصوص ما يعنيه هذا النزوح بالنسبة للسعر والتداولات في الأيام والأسابيع المقبلة. فقد بلغ سعر النيكل لأجل ثلاثة أشهر في بورصة لندن للمعادن حوالي 33500 دولار للطن، أي ما يقرب من 10 آلاف دولار أعلى مما كان عليه بداية شهر مارس.

وتعرضت مراكز البيع على المكشوف الضخمة والتي تراكمت من قبل منتج النيكل والصلب الصيني العملاق «تسينجشان» لخسائر قُدرت بنحو 8 مليارات دولار لحوالي 150 ألف طن من الصلب، وسيكون حل هذا التوتر أكثر صعوبة في سوق منخفضة السيولة.

وعليه وضعت بورصة لندن للمعادن حدوداً للأسعار واعتمدت على دعم واسع للاحتفاظ بحدود السعر اليومية في المستقبل المنظور، وذلك من أجل تقليل احتمالية تحركات الأسعار غير المنتظمة. وتم طرح حدود حركات الأسعار هذه عبر جميع العقود القابلة للتسليم في البورصة، ما يدل على المخاطر الأوسع نطاقاً.

كما انخفضت الفائدة المفتوحة لكل من عقود الألمنيوم والزنك داخل أروقة البورصة بشكل حاد في أعقاب أزمة النيكل، وأصبح تداولهما أكثر صعوبة نظراً لضغوط سلسلة التوريد الناشئة عن الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار والتقلبات الحادة.

ويبقى النحاس هو المعدن الرئيسي الوحيد في بورصة لندن للمعادن الذي لم يشهد انخفاضاً حاداً في الفائدة المفتوحة للتداولات، لكن المعدن الأصفر لديه قصته الخاصة في تجنب المخاطر ليرويها..

كانت عقود النحاس الخاص ببورصة لندن للمعادن تخضع بالفعل لإجراءات خاصة بعد أن جمحت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ومن ثم انخفضت الفائدة المفتوحة خلال الأشهر الثلاثة التالية لتصل في يناير/كانون الثاني إلى أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمن، ناهيك عن بعض التقلبات الحادة بداية جائحة كورونا عام 2020.

وبحسب جولدمان ساكس، يعتبر النحاس نموذجياً على المدى البعيد ولكن مركزه قصير في التداولات. ويشير البنك إلى أنه بينما ارتفع مؤشر السلع «S&P GSCI» بنسبة 125% منذ أكتوبر 2020، ارتفع الاستثمار في بورصة «بلومبيرج» للسلع بنسبة 7% فقط على أساس السعر المعدل خلال نفس الفترة.

إن التناقض مع السوق الصاعدة المتمركزة حول الصين في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كبير جداً. في ذلك الوقت، كانت الأموال تتدفق سواء بشكل مباشر أو عن طريق صناديق المؤشرات السلبية طويلة الأجل. ومع ذلك، اشترى الكثير من المستثمرين بالقرب من قمة الدورة السعرية آنذاك، لتنخفض أسعار المعادن كثيراً خلال النصف الأول من عام 2010. ومنذ ذلك الحين، اختفت السلع إلى حد كبير من رادار مجتمع الاستثمار، ما أدى إلى تقييد تدفق رأس المال المحفوف بالمخاطر إلى القطاع. فانسحب العديد من البنوك من مجال تمويل السلع والتداول على مدى السنوات العشر الماضية. ومثلما فشل منتجو المعادن في الاستثمار في طاقة إنتاجية جديدة لتلبية الطلب المتزايد بسرعة من اتجاهات تحول الطاقة، فشل المجتمع المالي أيضاً بالاستثمار في القدرة على تداول الأسعار المرتفعة الناتجة.

لا يقتصر الأمر على قلق بنك جولدمان ساكس فقط بشأن ما يسميه «عدم التوافق الأعمق بين مخاطر السوق المالية والعينية». إذ يُقيّم حاكم بنك إنجلترا أندرو بيلي أسواق السلع الجامحة بأنها المنطقة الأكثر هشاشة من حيث الضغوط على النظام المالي، وبأنه لا يمكن ضمان المرونة لا سيما في ذلك الجزء من السوق. ويرى بيلي أنه علينا المراقبة عن كثب للتأكد من أن التغيير التدريجي في تكلفة المخاطرة لن يؤدي إلى فشل السوق.

قد يكون الوقت قد فات على النيكل، ولكن ما هو عدد المعادن الأخرى التي يمكن أن تتجنب الوقوع في نفس الفخ؟

* كاتب في رويترز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"