عادي

تحديات القرّاء

00:44 صباحا
قراءة 7 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس

يؤكد عدد من المثقفين أن اختيار الكتب الجيدة عملية صعبة ومعقّدة في بعض الأحيان لأسباب كثيرة؛ منها العدد الهائل من الكتب التي تصدر سنوياً، وتزايد أعداد دور النشر في العقد الأخير، والهالة الإعلامية التي تحيط ببعض الإصدارات لأسباب تسويقية ربحية، موضحين أنه في كل مجال هناك كتب يسميها أهل الاختصاص الكتب العمدة، وهي كتب جيدة حازت القبول عبر العصور، وأصبحت رائدة في مجالها، وهي أمهات الكتب.

لفت الكتّاب إلى أنه في السابق كنت تضطر للذهاب إلى المكتبة، لشراء كتاب ما، اليوم يكفي أن تتصفح هاتفك الجوال، وتقوم بشراء الكتاب الذي أعجبك من المتجر الإلكتروني في غضون دقائق قليلة، وتبدأ في قراءته؛ بل إن هناك الآلاف من الكتب المسموح بتداولها مجاناً، وبعضها كتب قيمة وتحتوي على معلومات هائلة وغزيرة تستحق التوقف عندها.

كيف نختار الكتب الجيدة؟ وما مصادرنا لمعرفة الكتب التي تستحق القراءة؟

1
ناصر البكر الزعابي

يقول الشاعر ناصر البكر الزعابي: «في الأغلب نختار الكتب وفق أسماء مؤلفيها من باب الضمان، أو نختار الكتب التي تلائم تخصّصاتنا وميولنا الشخصية، وهناك العديد من الإصدارات المتكرّرة بين ناشر و آخر لأسماء شهيرة لضمان الربح السريع، على الرغم من أن هناك العديد من المؤلفين الذين قدّموا إبداعات كبيرة ولم تحظى تجاربهم بالتسويق المطلوب، بسبب الاستسهال والتكرار والنمطية التي أصابت صناعة النشر مؤخراً، فهي عملية عسيرة تتطلّب حسن اختيار المواضيع وحسن اختيار الناشر أيضاً، فهناك دور نشر تجارية تنشر كيفما اتفق بمقابل مادي كبير، سرعان ما تختفي هذه الأسماء دون أن تترك أثراً، أمّا الأسماء القوية ذات الحضور الأدبي الراقي على سبيل المثال، ستجد لها رواجاً كثيراً وإن كانت فكرة صناعة نجم لبعض الدور التجارية تتأرجح بين الاستمرارية والابتعاد، الكتب الجيدة تفرض نفسها بقوّة عاجلاً أم آجلاً، ولا بأس من المشورة والتقصّي، وتبادل الكتب بين القرّاء للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعارف الجديدة، أغلب القرّاء يفضّلون دور النشر التي تعوّدوا عليها من واقع تجارب سابقة، وفي الأغلب يتجاهلون بعض الدور الأخرى التي لم تقدم نتاجات ترضي الطموحات، قد يتأثر البعض بما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي عن ماهية كتاب ما، أو بما يروّج له في حفلات التوقيع الربحية، إلا أن القارئ الفطن يستطيع اختيار 75% من الكتب المميزة عبر تراكم الخبرات، وهناك العديد من مصادر المعرفة أبرزها الكتب النقدية وكتب الدراسات التي ترشدنا إلى إصدارات رصينة وهادفة، مما يؤكد مرة أخرى أهمية كتب النقد في توعية وتشخيص الحالة الأدبية.

مؤشرات

1
محمد عبد العزيز السقا

الكاتب محمد عبد العزيز السقا، يقول: غياب مهنة الناقد الأدبي يزيد من صعوبة المهمة، فقديماً كانت المجلات الأدبية تقدم قراءات ناقدة للكتب والأعمال الأدبية والروايات وكانت هناك مهنة مستقلة اسمها الناقد، وتبعاً لهذا النقد ونتيجة له كان يمكن التوصل إلى الكتب الجيدة وبالتالي كانت المهمة أسهل، وفي كل مجال هناك كتب يسميها أهل الاختصاص الكتب العمدة، بمعنى أنه لابد وأن تقرأ، فهذه كتب جيدة وحازت القبول عبر العصور، وأصبحت كتباً رائدة في مجالها وبالتالي فهي كتب جيدة بلا نزاع، وهي أمهات الكتب، كما أن الكتب الأعلى مبيعاً ليس بالضرورة هو الأفضل، لكنه مؤشر يزيد من احتمالية الجودة، ولكن يجب الحذر من الاندفاعات الجماهيرية وآليات السوق، حتى لا يطفو الغث على السطح ويغرق السّمين.

ويضيف: «في الأغلب الكتاب الجيد يحدث أثراً، سواء كان هذا الأثر تغييراً مباشراً في مسار معين، أو إثارة جدل بسبب فكرته والتي في الأغالب ما تكون طرحاً جديداً مغايراً للسياق العام، أو ضد التيار بتعبير آخر، تلك الكتب التي تصنع فارقاً في مسار التاريخ والأحداث هي كتب جديرة بالقراءة اتفقنا معها أو اختلفنا، كما أن توصيات محترفي القراءة والخبراء مهمة، فعندما يوصي بيل غيتس بقراءة خمسة كتب يعتقد أنها الأفضل فهذا يؤخذ بعين الاعتبار».

ويوضح هناك شخص لا نلتفت إلى أهميته ولأسباب مختلطة لا يمكن سردها الآن، أعني أمين المكتبة فهو شخص من المفترض إن كان جديراً بمهنته أن يكون مرجعاً للسؤال عن الكتاب الجيد وبالمناسبة فالكتبي أو خازن دار الكتب من أقدم المهن في التاريخ وأرفعها مكانة، مؤكداً أن مواقع تقييم الكتب مثل Goodreads وغيرها مهمة للحصول على توصيات الكتب، وهي سلاح ذو حدين، فمن ناحية هي تطرح بديلاً شعبوياً في مواجهة سلطة النقد المتخصص، لكنها أيضاً تمثل خطراً بما تحمله الشعبوية الجماهيرية من اندفاعات قد تكون عاطفية أو مجافية لقواعد التقييم المنطقية، كما توجد أمور موضوعية تشجعنا على اقتناء الكتاب مثل اسم الكاتب، دار النشر وهل لديها هيئة علمية أم لا، تمهيد الكتاب وفهرس المحتويات واختيار صفحة من الكتاب لقراءتها لمعرفة أسلوب الكاتب.

أثر

1
فاطمة سلطان المزروعي

القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي تقول: «نتفق على أهمية القراءة وحيويتها وأثرها البالغ في مسيرتنا الحياتية، وهو أثر إيجابي بالتأكيد، فالقراءة كنز لا حدود له، وفعل بسيط وعفوي، يمكننا جميعاً التوجه نحوها دون شروط، إلا أنها تحتاج إلى توفر عدد من النقاط التي تساعد على الحصول على الفائدة المرجوة؛ من هذه النقاط أن تجيد اختيار الكتاب الذي تحتاج إليه، فموضوع الكتاب ومدى مناسبته لك على درجة عالية من الأهمية، الجانب الآخر التنبه لأهمية أن تقرأ وتفكر، بمعنى أن تمتلك رأياً مستقلاً عن المؤلف، فما هو مدون في الكتاب ليس مقدساً ولا حقيقة مطلقة؛ لذا نعم اقرأ لكن اجعل عقلك ناقداً يحاول البحث عن العمق، هذا البحث سيخرج لك الفوائد ويجعل من معلومات الكتاب العامة أكثر قابلية لتستفيد منها، الأديب مكسيم غوكي، قال: واصل قراءة الكتب، ولكن تذكر أن الكتب تبقى كتباً وأن عليك التفكير بنفسك؛ لذا فإن القراءة مفيدة وتعطيك خبرات ومعارف تحتاج إليها، ولكن الكتب التي تقرأها لن تقوم بوظيفة التفكير بدلاً عنك، والتفكير لا غنى عنه عندما تكون إنساناً قارئاً، التفكير عبارة عن عملية تحليل واستنتاج وترجمة واقعية لكل المعلومات التي تتلقاها، وكل الخبرات التي تكتسبها، فاقرأ وفكر».

وتتابع: «لكن دوماً ينبع السؤال ما الذي نقرأه؟ وكيف نختار الذي يمكن اقتناؤه من الكتب؟ وقبل الإجابة لابد أن نقرر حقيقة واضحة، وهي أن شبكة الإنترنت، قدمت خدمة عظيمة للبشرية بأسرها في عدة مجالات حياتية مهمة جداً، ومنها المعارف والمعلومات، وهي اليوم تقدم محتوى معلوماتياً يعد ثروة بكل ما تعنيه الكلمة، ثروة تضم الآلاف من الكتب والنصوص المفيدة جداً، وما على محب القراءة إلا البحث والسعي الحقيقي نحو المعرفة واكتسابها، أما ما الذي يمكنك أن تقرأ؟ فلن تجد من يستطيع أن يجيبك عن هذا السؤال، سوى حاجتك، فما الذي تميل إليه؟ وما الذي يشدك ويجذبك من العلوم المتنوعة؟ هل تهوى الفلك أو الفيزياء أو الرياضيات أو حتى المخترعات، وقد تكون من هواة التاريخ والقصص الملهمة، وغيرها؟ أم هل تهوى الروايات والقصص والأشعار أو مجالات الأدب بصفة عامة؟ وفي العموم يبقى عليك الاختيار».

سهل ممتنع

1
إيمان الهاشمي

الكاتبة إيمان الهاشمي، تقول: «اختيار الكتاب الجيد خطوة أشبه بالسهل الممتنع، فهي تحتاج إلى خبرة واسعة وذائقة معينة وربما بعض الحذر لضمان النتيجة المرجوة؛ ولذلك من الضروري أولاً تحديد الغرض الأساسي من القراءة سواء كانت للمعرفة أو التطوير أم للمتعة أو التسلية، مع تجنب اختيار الكتاب بناء على عنوانه الرئيسي فقط، فالعناوين اللافتة قد تكون أحياناً بعيدة كلياً عن المضمون، خصوصاً أن أكثر الناس يشترون الكتب بسبب جمال أغلفتها وجاذبيتها الخارجية في المقام الأول، أو بسبب العنوان المثير البراق، ولهذا السبب يحرص أغلب الكتّاب ودور النشر على العناية بالعناوين وشكل وهيئة أغلفة الكتب؛ لذلك لا بأس من الاهتمام الجاد بالبحث عن اسم المؤلف وإدراك الفكرة الرئيسية عن أسلوبه في الكتابة، كما يجب قراءة مقدمة الكتاب وخاتمته أو النبذة المطبوعة على غلافه الخارجي، وطبعاً الاطلاع على الفهرس والمراجع والتوصيات المكتوبة، فضلاً عن استخدام مواقع تقييم الكتب الموثوقة، وسؤال القرّاء الآخرين المهتمين بالقراءة، مع الابتعاد تماماً عن الشراء السريع استناداً إلى قوائم الأكثر مبيعاً أو الإصدارات الحديثة لمجرد أنها صدرت حديثاً، فما يروق للبعض لا يكون بالضرورة مناسباً للبعض الآخر؛ لذلك تبقى الطريقة الأفضل التي يمكن للقارئ التأكد من اختياره الصحيح هي أن يبحث بنفسه في شتى الاختيارات المطروحة أمامه، ولا يكتفي بشراء أول ما تقع عينه عليه، وعموماً يجب دائماً أن يمنح المرء ذاته الفرصة لتصفح أكبر عدد من الكتب الموجودة؛ بحيث يستطيع أن يخلق أكبر مساحة ممكنة للاختيار الأنسب له، ولعل من الأفضل أن يضع القارئ أثناء تصفحه درجة محددة لكل ما يطلع عليه وبعدها يقوم باختيار الكتاب الذي حصد أعلى الدرجات، وبالتالي يتم وبكل سهولة تحديد الموقف الأخير الذي يجعله على قدر كبير من القناعة بما اختاره».

تحدٍ

1
د. إبراهيم بورشاشن

الكاتب الدكتور إبراهيم بورشاشن أستاذ الفلسفة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، يقول: ما الكتاب الجيد؟ وكيف السّبيل إليه؟ سؤالان مهمان، خطورة السؤالين مرتبطة، بدور الكتاب الجيّد في قيام الحضارات وتقدمها، فالحضارة الإسلامية قامت على الكتاب العزيز وعلى الكتب النّقلية الوضعية التي ألّفها كبار علمائها، وكذا على كتب «علوم الأوائل» التي ترجمت في «بيت الحكمة»، والحضارة الأوروبية قامت بخاصة على كتب فرجيل، وشيشرون، ولوكريس، من كبار الكتّاب اللاتينيين القدامى، قبل أن تنفتح على مؤلفات «الشارح الأكبر»، وتدخل تاريخ الفكر النظري، ومن هنا ارتباط الكتاب الجيّد بضرب من العتاقة، وكأنه كلما كان الكتاب ضارباً في الزمن كان جيّداً، وهو معيار مناسب للاختيار عند بعض الجامعيين؛ حيث يوصون طلبتهم بالرجوع إلى كتب القدماء»

ويلفت إلى أن قضية اختيار الكتاب المناسب تحدٍّ كبير ينتصب في وجه القارئ، خاصة أنها ترتبط بالطّريقة المثلى لوقف هدْر الزمن، وقد تعدّدت الأبواب المعاصرة التي نلج من خلالها إلى الكتاب الجيد.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"