عادي

صالحة غابش.. كتابة برائحة الزنجبيل

23:21 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف أبولوز

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

الصبيّة؛ بل، قبل ذلك الطفلة التي تحب الجمباز، وتلعب مع قريناتها في عصريات الأحمدي في الكويت؛ حيث ولدت؛ وحيث كانت بيوت الفرجان مفتوحة الأبواب، كأن الجيران كلهم عائلة واحدة؛ وحيث الطفولة الأولى التي تشكّل شخصية الإنسان برمّتها في قادم الأيام. آنذاك في تلكما الزمان والمكان.. هل كانت الطبيعة البشرية تهيئ صالحة غابش للشعر وحياة الشعر وروح الشعر؟؟ الإجابة في سيرة صاحبة «بانتظار الشمس».. المجموعة الشعرية لها الصادرة في 1992، ولكن قبل هذا الصدور كانت صالحة مهيأة اجتماعياً، وروحياً، ونفسياً لأن تكون شاعرة. هذه هي هدية الله إلى إنسانة خُلِقت في مثل طبيعة الشمس: نورانية - إشراقية، متجدّدة.

تمكث عائلة صالحة غابش - في الكويت فترة ليست طويلة ليعود والدها بعائلته - إلى الإمارات وهي في نحو العاشرة من عمرها، أي أن حياة جديدة ستطرأ على الطفلة القادمة من بيوت الماء والكهرباء والأسمنت، إلى «فريج» لا توجد فيه تلك الرفاهية السكنية التي كانت لها في الأحمدي مدينة البترول الشهيرة آنذاك ليس في الكويت وحدها؛ بل، في الخليج العربي.

في الإعدادية تبدأ أعراض الشعر والكتابة على الصبية التي ستصبح نجمة المدرسة، ونجمة الإذاعة المدرسية، ومرة ثانية كان الشعر ينمو في قلبها وفي روحها وأصابعها وكيانها كلّه، وكلما كبرت «عاماً على صدر عام..» كما يقول محمود درويش كانت بوصلتها الذاتية الداخلية إن جازت العبارة توجهها، مرة ثانية، إلى الشعر، وستكون محظوظة في تأسيسها التعليمي الإعدادي والثانوي؛ إذْ قيّض لها حظّها أن تدرس على أيدي مدرسات إماراتيات رائدات في - التعليم النظامي في نهاية ستينات القرن العشرين، وأوائل سبعيناته مثل المعلمات المحترمات: فاطمة المدفع، وفتحية الخميري، وفاطمة مصبح السويدي، والشيخة مهرة ماجد القاسمي كما جاء في مادة توثق جانباً من سيرة صالحة غابش.

المرحلة الثانية في حياة صاحبة «المرايا ليست هي» التي أصدرتها عام 1997 - كانت بعد إنهائها الدراسة في معهد المعلمات - لتنخرط في مهنة التعليم الأقرب إلى فضاءات - الشعر والكتابة والثقافة، لا بل - لن تكتفي صالحة غابش بحدود وظيفة معلّمة؛ بل، حظيت - بالتعليم الجامعي، ومن أوائل من تلتقي بهن سواء في التعليم أو في التأسيس الثقافي شيخة الناخي رائدة القصة القصيرة في الإمارات.

التزام

صالحة غابش أحد الأسماء البارزة في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين على مستوى الشعر؛ بل والقصة القصيرة أيضاً، - فنحن نقرأ لها قصة قصيرة بعنوان «أحلام طفلة» كتبتها في عام 1984، وقد نشرت هذه القصة المبكرة لها في مجموعة «كلنا، كلنا، نحب البحر» أول إصدار لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في طبعته الأولى 1992. لكن توجّه صالحة كان وما يزال نحو الشعر دائماً، وهي تكتب القصيدة العمودية الملتزمة بالعروض الخليلي، وتكتب أيضاً - قصيدة التفعيلة، وأصدرت مجموعة «الآن عرفت» في عام 1999، ومجموعة «بمن يا بثين تلوذين» في عام 2003، ومجموعة «ربّ ظلال تغريني ان أصبح ممكنة» في عام 2018.

عرفت صالحة غابش الكتابة السردية في روايتها الوحيدة «رائحة الزنجبيل» 2008، ولها كتاب مهم في السيرة والتوثيق: «جواهر بنت محمد القاسمي.. رحلة الأمل والإنسانية»، - غير أن ما يجب أن ننتبه إليه جيداً عن قراءة - صالحة غابش ومعاينة تجربتها الأدبية - والثقافية هو تجربتها الرائعة - والحميمة في الكتابة للأطفال والناشئة، فقد أصدرت نحو عشرين كتاباً في هذا الحقل الأدبي الذي يحتاج أولاً إلى حساسية إنسانية عالية قبل الحساسية الأدبية الشفافة، - والكتابة للطفل هي ذاتها كتابة البراءة والطهر والعفوية، وصالحة غابش - فيها الكثير من هذه الصفات - النبيلة.

أشرت قبل قليل إلى شخصية صالحة غابش الحاضرة بقوة في نهاية وأوائل تسعينات القرن العشرين.. شاعرةً، وقاصّةً، ويشار إليها تالياً، أن هذا الحضور لم يغب ولم يتباطأ منذ - ذلك الوقت وحتى اليوم، وهي نموذج مرئي تماماً على التجدّد الأدبي والثقافي والمعرفي، لم نتوقف عند الشعر والقصة؛ بل ذهبت إلى الرواية، وذهبت إلى أدب الطفل، وهي بين هذا وذاك إدارية ثقافية ناجحة. لديها دائماً تدبير مهني موفق في الموقع الذي تجد نفسها فيه. هكذا عرف الوسط الثقافي الإماراتي صالحة غابش في أندية الفتيات، وفي المجلس الأعلى للأسرة، وفي اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، - لا بل أسسّت دار نشر أعطتها اسماً فيه شيء من طبيعتها الحنونة «صديقات للنشر والتوزيع» هي ذاتها الدار التي تصدر عنها عناوين - الأطفال والناشئة.

أسئلة

عرفت صالحة غابش أيضاً - الكتابة الثقافية في الصحافة - الثقافية الإماراتية، وطرحت قضايا ثقافية - وفكرية واجتماعية وأدبية مشدودة دائماً إلى أسئلة الثقافة في الإمارات، وبقيت دائماً حاضرة في الصفحات الثقافية وصفحات الملاحق الثقافية الإماراتية حين يُطلب منها - إبداء رأي أو مشاركة في فكرة أو في موقف.

صالحة غابش علامة ثقافية إماراتية خليجية، وحين يجري وضع توصيف موضوعي للكتابة الأدبية المنجزة بأقلام نسائية سواء في منطقة الخليج العربي أو في البلدان العربية - لا يُنْسى اسم صالحة غابش ولا يُتَجَاهَلْ وبخاصة في الشعر على الرغم من أنها ليست غزيرة في هذا - الحقل الإبداعي الذي يُحْتَرم بإطلاق - وصف «ديوان العرب» عليه، ومع ذلك، صالحة غابش اسم له معنى وله قيمة في هذا الديوان العربي العريق.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"