مع أزمات الهجرة الناشئة عن الصراعات الداخلية وتغير المناخ، توجهت العديد من الدول إلى اتباع إجراءات مشددة على حدودها لمنع تدفق المهاجرين، إلا أن الأمر لا ينجح فعلياً. يدور هذا العمل حول كيفية أن الحدود تسبب أضراراً على مستويات عديدة، ولا بد من إلغائها، لكن مع ضرورة الاستجابة للمشكلات التي تدفع الشعوب للهرب من أوطانها الأصلية.
يحمل هذا العمل شعاراً مفاده بأن الحدود تضر بنا جميعاً، لذلك يجب إلغاؤها، فهي تسبب الكوارث بحق المجتمعات، وتغذي الانقسام العرقي، والفوارق العالمية، وتشجع على التوسع في تقنيات المراقبة التي تؤثر في حياة المهاجرين والمواطنين على حد سواء. يشير المؤلفان إلى حقيقة بسيطة مفادها بأن الحدود ليست فقط على أطراف الأراضي الوطنية أو في المطارات أو على الجدران الحدودية. أصبحت الحدود موجودة كل يوم وفي كل مكان. مراقبو الحدود يتابعون الناس من حولنا ويتنقلون بيننا، ويعرقلون سلامتنا الجماعية وحريتنا وازدهارنا.
ويؤكد المؤلفان أن الدعوة إلى حرية التنقل في العالم يجب أن تتزامن مع جهود لتغيير الظروف التي تكون الحدود استجابة لها. وفقاً لذلك، يسعى الكتاب إلى تفكيك الحدود العنيفة، وإلى تنمية طرق جديدة للاعتناء ببعضنا، ورعاية أشكال من التعاون الجماعي تؤدي إلى ازدهار الإنسان على نحو أكثر من سياسات الدول القومية.
ويذكران في البداية أنهما يقدمان هذا الكتاب للقراء كمثال على الأمل، قائلين: «ندعوكم إلى التفكير في ما تفعله الحدود فعلاً في العالم، وللدخول، ولو لفترة وجيزة، إلى إمكانية أن المجتمعات في جميع أنحاء العالم يمكن أن تتواصل مع بعضها دون اللجوء إلى ضوابط الهجرة. نحن لا ندّعي بأننا نملك كل الإجابات، ولدينا التواضع لنعرف أن الكثير مما نقترحه ليس جديداً».
تنمية المجتمعات
يدعو الكتاب إلى إلغاء الحدود والتركيز على تنمية المجتمعات وعلاقاتنا مع بعضنا بعضاً، وبناء عالم يتمتع فيه كل فرد بحرية الحركة والبقاء. يتساءل المؤلفان: «ماذا تفعل الحدود؟» يوضحان أنه بحسب «الروايات التقليدية، تحدد الحدود المكان الذي ينتهي فيه بلد ويبدأ بلد آخر. إنها خطوط على الخرائط، ودائمة ومسلم بها. تحدد الحدود أراضي الدولة وحركة الأشخاص والبضائع من وإلى الخارج. تمنع الحدود الأشياء المحظورة مثل المبالغ المالية غير المصرح بها، والحيوانات الحية، والأنواع النباتية الغازية، والأمراض، والمخدرات، وبالطبع الأشخاص غير المصرح لهم. لكن بالنسبة للأثرياء في شمال العالم، يمكن عبور الحدود بسهولة نسبية، على الرغم من أن هناك انزعاجاً قصيراً من أجهزة مسح الأمتعة ومراقبة الجوازات، لكن عموماً يقبل المسافرون الملتزمون بالقانون عمليات التفتيش والأشعة السينية لكامل الجسم، لأنهم يعتقدون أنه ليس لديهم ما يخفونه، ولأنهم يشاركونهم الرغبة في السيطرة والنظام والأمان. هذه الرغبة في السيطرة والأمن هي التي تحدد سياسات الهجرة على نطاق أوسع».
ويضيفان: «عادة ما يتم التركيز على المهاجرين على أنهم مجموعة متنوعة تحمل تهديداً كبيراً، ويُنظر إلى وصول المهاجرين واستقرارهم على أنه لا يجلب سوى المخاطر وانعدام الأمن والانحدار الوطني. في هذا السياق، يبدو أن الحكومات مضطرة باستمرار إلى تخصيص موارد أكبر وتقنيات أكثر تطوراً لمراقبة حدودها. مع صعود الحكومات اليمينية مؤخراً ازدادت الجدران الحدودية، والأسوار الشائكة، والحواجز العائمة في البحر، والطائرات بدون طيار التي تراقب الطائرات التي تعبر الصحارى والمحيطات، وانتشار عمليات الردع على حدود أوروبا، ومعالجة طلبات اللجوء في معسكرات الاعتقال البحرية».
ويجد المؤلفان أن «تكثيف الحدود العنيفة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصعود الحكومات العنصرية والقومية واليمينية في اللحظة التاريخية الحالية. لكن ليست هذه مشكلة اليمين فقط؛ إذ تؤكد أصوات من مختلف الأطياف السياسية أن الحدود معقولة وضرورية. وترى العديد من الأحزاب السياسية وحتى النقابات العمالية بأن الحدود تحمي الطبقات العاملة من الأجور المنخفضة الناجمة عن فائض العمالة المهاجرة، وتخفيف الضغوط على الإسكان والخدمات العامة، وتحافظ على «أسلوب الحياة» و«الثقافة الوطنية» من تأثيرات المهاجرين. ويقال أيضاً إن الحدود تكافح تهريب البشر والاتجار بالجنس، وتمنع الأفراد الأكثر قيمة وموهبة من مغادرة البلدان الفقيرة. في هذا السياق، يُنظر إلى ضوابط الهجرة على أنها مجرد تطبيق للجوانب القانونية بين السكان المحليين، من خلال أجهزة بيروقراطية مثل التأشيرات وجوازات السفر ومراقبة الحدود والاتفاقيات بين الدول».
ويوضح المؤلفان أن الممارسات الحدودية تخلّف عواقب سلبية على المواطنين القاصرين، الذين يتم تصنيفهم على أنهم «مهاجرون» أو«من أصول مهاجرة» أو يوصفون غالباً بأنهم «مهاجرون من الجيل الثاني» على الرغم من العضوية السياسية المشتركة والمساواة الرسمية. وفي الوقت نفسه، لا يتم إدراج البعض من غير المواطنين (المهاجرون في القانون) كمهاجرين في الخطاب العام مثل رجال الأعمال النخبة، والرحالة، وغيرهم.
ابتكار حديث
ضوابط الهجرة كما نعرفها هي ابتكار حديث نسبياً؛ إذ لم تكن قبل ذلك موجودة بشكلها الحالي. قبل أواخر القرن التاسع عشر، كانت الضوابط المفروضة على التنقل تميل إلى التركيز على منع الناس من مغادرة أراضي الدولة، أو تقييد حركتهم داخل الفضاء المحلي. في عام 1882، قدمت حكومة الولايات المتحدة قانون الاستبعاد الصيني، الذي يحظر هجرة جميع العمال الصينيين، والبدء في فرض الضوابط الحديثة على الهجرة. وأدخلت كندا ضوابط الهجرة في مطلع القرن العشرين رداً على الاستياء العنصري تجاه العمال المهاجرين الهنود بدعم من جميع الحكومات والأحزاب الرئيسية من تسعينات القرن التاسع عشر حتى خمسينات القرن الماضي. وقبل إدراج ضوابط الهجرة، تم تلبية احتياجات العمل لهذه المستعمرات الاستيطانية من خلال الاسترقاق عبر المحيط الأطلسي وأعمال السخرة والنقل. يعلق المؤلفان هنا: «مهدت الاستجابة لوصول واستقرار المهاجرين غير المرغوب فيهم عنصرياً في هذه المستعمرات الاستيطانية الطريق أمام العالم الحدودي الذي نعيش فيه الآن».
ويشير الكاتبان إلى أن «إحدى طرق وصف هذه العمليات التاريخية هي ملاحظة أنه مع انتقال الدول من الأشكال الاستعمارية إلى الأشكال القومية، بدأت تميل إلى فرض قيود الهجرة واسعة النطاق. يمكن أن يساعدنا هذا المنظور على شرح تاريخ قيود الهجرة البريطانية في القرن العشرين، على سبيل المثال. فقد ظهرت القيود الأولى على الهجرة في المملكة المتحدة مع قانون الأجانب لعام 1905، والذي تم تصميمه بشكل صريح للحد من هجرة المهاجرين اليهود الفارين من الاضطهاد في شرق أوروبا. لكن أهم توسع لضوابط الهجرة جاء من عام 1962 فصاعداً، مع ظهور الضوابط على مهاجري الكومنولث. بعد الحرب العالمية الثانية، انتقل الآلاف من رعايا المستعمرات والكومنولث إلى المملكة المتحدة من منطقة البحر الكاريبي وإفريقيا وجنوب آسيا. كانت الاستجابة العنصرية من السياسيين وأرباب العمل وعامة الناس شديدة».
ويضيفان: «في هذا السياق، أدخلت الحكومة البريطانية قوانين الهجرة والجنسية التي استبعدت في الواقع رعايا الكومنولث السود والسمر من أي حقوق في العضوية السياسية. عرفت المملكة المتحدة نفسها كدولة قومية، كدولة جزرية، على وجه التحديد من خلال استبعاد الناس من الأراضي المستعمرة سابقاً، من خلال إدخال ضوابط حدودية تستهدف مهاجري الكومنولث والسود. وبالتالي فإن الدول القومية ذات الحدود هي تشكيلات سياسية جديدة نسبياً نشأت من تاريخ طويل للإمبراطورية والاستعمار والعبودية. عندما ندرك أن الاستعمار «يأكل الحاضر»، فإن الانقسامات بين المناطق والسكان لم تعد تبدو طبيعية وعادلة. في الواقع، لم تعد الحدود قابلة للدفاع الأخلاقي. أصبحت معظم الدول القومية مستقلة فقط بعد الحرب العالمية الثانية. في السابق، كان العديد منها مستعمرات للقوى الإمبريالية الأوروبية، وهو ما يفسر التهميش العالمي لها والتخلف الموجود فيها اليوم. لذلك فإن الحدود المعاصرة تعيد إنتاج التفاوتات العرقية والاستعمارية، ما يساعد على تفسير سبب كون الممارسات الحدودية أكثر حدة عند الحدود بين العالم المتقدم والمتخلف: على أطراف أوروبا والحدود الجنوبية للولايات المتحدة».
عالم بلا حدود
ينطلق الكتاب (صادر عن دار فيرسو للنشر ضمن 192 صفحة في 2022) من نقطة بسيطة وهي أن الأمور لا يجب أن تكون على هذا النحو. فضوابط الهجرة لا تمنع حركة البشر ولا تحمي المواطنين. في الواقع، تنتج الحدود العديد من الأضرار الاجتماعية التي تدعي أنها تمنعها، بما في ذلك الخسائر في الأرواح والمعاملة اللاإنسانية والمهينة وتفشي عدم المساواة. تفشل الحدود في معالجة الظروف التي تشكل عمليات الهجرة في المقام الأول - عدم المساواة العالمية، ونزع ملكية الأراضي وسبل العيش، وانهيار المناخ - وتجعل الأشخاص المتنقلين عرضة لمختلف أشكال الاستغلال وسوء المعاملة. لا يمكن استخدام ضوابط الهجرة لحماية حقوق الناس أو للتخفيف من عدم المساواة العالمية.
يقول المؤلفان: «إلغاء الحدود سياسة ثورية تقع ضمن النضالات الأوسع من أجل العدالة الاقتصادية والمساواة العرقية والإيكولوجيا المستدامة، بناء على الاقتناع بأنه لن يكون هناك مستقبل قابل للعيش فيه طالما أن هناك من يحرس الحدود بين المجتمعات السياسية بعنف».
يوفر الكتاب أطراً عملية للعمل بشكل استراتيجي، مع التركيز دائماً على إمكانية بناء عالم بلا حدود. تتمثل الخطوة الأولى في زيادة فهمنا الجماعي لما تفعله الحدود في العالم. لذلك يقدم هذا الكتاب وصفاً ثابتاً للحدود، ويناقش الروابط بين مراقبة الهجرة والأشكال الأخرى من عنف الدولة ومراقبتها. هناك ثلاثة محاور عامة توجه تحليل المؤلفين في عملهما:
أولاً، يتطلب إلغاء الحدود أن نسترشد بأحلام مستقبل بلا حدود، وإظهار كيف يمكن للعالم أن يصبح أفضل من الزمن الراهن.
ثانياً، تحديد إصلاحات محددة في الوقت الحاضر من شأنها أن تقلل من القوة والوصول إلى الحدود على المدى القصير والطويل، مع تجنب الإصلاحات التي تديم منطق وشرعية مراقبة الهجرة.
ثالثاً، يتطلب إلغاء الحدود تفكيك جميع الهياكل الاجتماعية التي تقوم عليها ديمومة الحدود، الأمر الذي يتطلب منا التواصل مع نضالات أوسع نطاقاً واكتساب أشكال مترابطة من عنف الدولة، وهو أمر يميل النشطاء المتطرفون إلى القيام به بشكل أكثر فاعلية من أولئك الذين لديهم أدوار مهنية في قطاع المنح الصغيرة.
ويؤكد الكاتبان أنه «من الواضح أن إلغاء الحدود قول أسهل من الفعل. على الرغم من أن الطريق طويل، فإننا يجب أن نرى علامات الأمل من حولنا - التطورات الجارية بالفعل - والتفكير في الاستراتيجيات التي يمكن أن تبنى على هذا العمل. نحن بحاجة إلى الاستمرار في التخيل والبناء».