أبعاد التحذير الروسي لـ «الناتو»

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

صدقت المقولة العسكرية التي مفادها أنه «من السهل بدء معركة، ولكن من الصعب إنهائها». هذا ما ينطبق على الحرب الروسية – الأوكرانية التي ستدخل قريباً شهرها السابع، والتي لم تقتصر أحداثها على البلدين المتحاربين فقط، بل تشعبت بدخول عوامل كثيرة في مجرياتها، وأهمها «حلف الناتو» وخلفيات علاقاته المتوتّرة مع روسيا في معظم الأحيان. من هنا، أخذت الحرب الدائرة تكتسب أبعاداً دولية متعددة، لعلّ من أبرزها إمداد «الناتو» أوكرانيا بأسلحة استراتيجية متطورة من أجل إطالة أمد الحرب الدائرة بين البلدين واستنزاف روسيا وإيجاد قواعد عسكرية (بالطبع) للحلف قريبة من روسيا (التي تعتبر وريثة الاتحاد السوفييتي)، ولهذا من الطبيعي أن يطول أمد الحرب بين الجمهوريتين اللتين كانتا الأقرب علاقة من غيرهما بين كافة الجمهوريات المنضوية تحت لواء الاتحاد المنهار. 

من جانبها سبق وأن حذّرت روسيا «الناتو» من تجاهل خطوطها الحمراء، التي سبق أن حددتها، فوفقاً لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة غينادي غاتيلوف «فإن الصراع في أوكرانيا سيستغرق وقتا طويلاً» بالتالي، لا يوجد في الآفاق القريبة القادمة أية أسباب تدعو إلى التفاؤل بوقف الصراع العنيف القائم بين البلدين، ما يعني أنه لن تظهر تسويات أو مفاوضات سلام قريبة في ظل المواقف شديدة التناقض بين الجانبين. يأتي كل ذلك مع زيادة كييف لطلباتها من الناتو بتزويدها بأسلحة أخرى إضافية أكثر تطوراً، ووفقاً لمقابلة نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، قال غاتيلوف: إنه رغم جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإنه لن تكون هناك محادثات مباشرة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلودومير زيلينسكي، مضيفاً أنه لا يرى احتمالاً لحل دبلوماسي للحرب في أوكرانيا.

على صعيد محاكمة الأسرى الأوكرانيين في روسيا، حذّر الرئيس الأوكراني من أن محاكمة أسرى بلاده لدى الروس ستقضي على أية فرصة للتفاوض، وأضاف أن مثل هذه المحاكمة ستشكل الخط الذي لا يمكن بعده أن تكون هناك أية مفاوضات ممكنة بين بلاده وروسيا. واستند الرئيس الأوكراني في ذلك إلى تقارير إعلامية تفيد بأن روسيا تُعد لإخضاع الجنود الأوكرانيين الذين أسرتهم في مدينة ماريوبول لمحاكمة علنية. من جانبه، رأى المستشار الرئاسي الأوكراني بودولياك أن روسيا قد تكثف ضرباتها على المدن الأوكرانية خلال المرحلة القادمة. 

حتى اللحظة، أسفر القتال الدائر بين البلدين عن آلاف القتلى وتسبب في دمار كبير في أوكرانيا عدا عن عشرات آلاف المهجّرين إلى الدول المجاورة. في هذه الأثناء، قلل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو من فاعلية الأسلحة الغربية المستخدمة في المعارك الجارية في أوكرانيا وقال إن الخبراء الروس في مجال الصناعة العسكرية يدرسون الأسلحة الأجنبية التي حصلت عليها أوكرانيا (وما تزال). وكشف شويغو عن استخدام أوكرانيا صواريخ متطورة حصلت عليها من الناتو. من جهته، قال يوري شفيتكين نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي «إن الغرب يجمع الأسلحة بمختلف أنواعها في أوكرانيا»، مضيفاً أن روسيا تملك أسلحة أقوى تحقق نتائج جيدة في الميدان. في الجانب الآخر، تؤكد مصادر عديدة أن أوكرانيا تلقت خلال الشهرين الماضيين أسلحة غربية حديثة جداً وعالية الدقة. يأتي ذلك في وقت تعرض أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم لهجمات متعددة خلال الشهر الأخير.

ميدانيا تستمر المعارك في مقاطعة دونيتسك بإقليم دونباس وفي جبهات أخرى بالجنوب بينها خيرسون وزاباروجيا وميكولايف، ولم تشهد الأيام الماضية تغييراً كبيراً في المواقع، ووفقاً لمسؤول عسكري روسي، فإنه من المحتمل حدوث صدام عسكري بين دول نووية في حال تمادي دول الحلف في تجاهل «الخطوط الحمراء» التي حددتها موسكو، وأن مسار الحلف هو مدمّر من حيث نتائجه البعيدة المدى. يشار إلى أن روسيا أعلنت عن وجود «خطوط حمراء» في نهاية عام 2021، مؤكدّة أن تجاوزها سيؤدي إلى مخاطر كبيرة. وتتمحور هذه الخطوط في هدف رئيسي هو موافقة الحلف على عدم إقامة قواعد عسكرية في أراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة وعدم نشر أسلحة الناتو الضاربة بالقرب من حدود روسيا، وانسحاب قوات الحلف في أوروبا الشرقية إلى مواقع عام 1997. 

خلاصة القول، أن الحرب المعنية لن تتوقف سريعاً، وهي تحمل في أحشائها مخاطر عديدة، أبرزها صدام عسكري بين دول الحلف وروسيا، بما يحمله ذلك من مخاطر عديدة ليس على أمن أوروبا فحسب، بل على السلام في العالم قاطبةً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/murner4c

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"