عادي

نادية النجار.. الإبداع ابن البيئة

23:11 مساء
قراءة 5 دقائق
11

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«أتمنى أن أترك ما يستحق أن يُقرأ ويفيد الأجيال القادمة»، هذا بعض مما قالته وتؤمن به الروائية والقاصة الإماراتية نادية النجار، ولعل الحديث يشير إلى الرغبة الكبيرة في تقديم عمل جاد يبقى للمستقبل، وهذا الأمر يتضح بصورة مباشرة في العديد من الأعمال السردية التي قدمتها الكاتبة ويلمح فيها القارئ بالفعل العمل الجاد الذي يبحث عن الاختلاف، ودائماً ما تستقي النجار مواضيعها من البيئة التي تراها مسؤولة عن تشكيل وجدان المبدع واتجاهاته الفكرية والجمالية، وهي تقول: «الكاتب نتاج البيئة التي نشأ فيها، وتجاربه في الحياة، وقراءاته منذ صغره، ورحلاته ومعارفه وأصدقائه، وأظن أن كل تلك العوامل تؤثر في تكوين ملامح الكاتب بداخلي».

شغف

منذ الصغر كانت النجار شديدة الولع بالقراءة، وكانت زيارة معرض الكتاب هو بمثابة حلم تعيش الطفلة الصغيرة تفاصيله كل عام، وخلال تلك المناسبة الثقافية المهمة، تطّلع على قصص المكتبة الخضراء، وكلاسيكيات الأدب المترجمة المخصصة للناشئة، حيث كانت النجار تخلق علاقة من تفاصيل وأحداث وشخوص تلك الأعمال، وتقول عن ذلك: «كنت أتخيل شخصيات القصص، وأغيّر بعض النهايات والحبكات، ومن هنا بدأت أكتب ولا أذكر القصص التي كتبتها ولكنها كانت بسيطة وطفولية، ولكني أتذكر أنني كتبت ذات مرة نصاً وأرسلته لمجلة ماجد، ووجدته بعد أسابيع منشوراً بين صفحاتها، وتلك كانت تجربتي الأولى في النشر وبقيت عالقة في الذاكرة»، ومن هنا بدأت علاقة النجار بالكتابة في مجال الأدب.

بدايات

على الرغم من أن النجار هي واحدة من الروائيات المعروفات في الإمارات، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تصبح كاتبة على الرغم من شغفها بالقراءة والأدب والكتابة منذ الصغر، فهي خلال دراستها الجامعية تخصصت في مجال علمي لا ينتمي للأدب، وهو علوم الحاسب الآلي، إلا أن حب القراءة ظل ملازماً لها وكذلك كتابة الخواطر، وبعد تخرجها كتبت أولى أعمالها الروائية بعنوان «منفى الذاكرة»، ونشرت في عام 2013، وتتحدث عن امرأة مرت بظروف صعبة في حياتها، فتقرر ذات يوم، أن تكتب ذكرياتها وتحفظها في ملف إلكتروني أسمته «منفى الذاكرة».

عتبة القراءة

أثناء اشتغالها على رواية «منفى الذاكرة»، كانت النجار منهمكة في تفاصيل عمل آخر وجاء بعنوان «مدائن اللهفة»، التي فازت بالمركز الأول في جائزة الإمارات للرواية عن فئة الرواية القصيرة في 2015، لذلك، من الممكن القول: إن القراءة كانت هي العتبة الأساسية التي قادت النجار نحو عوالم السرد، وهو ما جعلها تصر على أهمية القراءة والاطلاع بالنسبة للكتاب، فتقول: «على المؤلف والروائي والقاص ومن يعمل في مجال الكتابة الإبداعية أن يقرأ المعارف المختلفة، وكل الأجناس الأدبية، فأنا أقرأ الشعر والرواية والقصة وأتمعّن التاريخ والتراث والفلسفة والسياسة، ولا تخلو مكتبتي منها، ولكن بطبيعة الحال تبقى الرواية على قائمة قراءاتي»، وتلك التجربة الغنية قادتها نحو الاهتمام بالكثير من التقنيات والأساليب السردية، وأيضا الاهتمام ببناء الأبطال والشخصيات التي تعلق في ذاكرة المتلقي.

ثلاثية الدال

منذ صدور روايتيها الأولى والثانية، عملت النجار على تطوير نفسها وأسلوبها وصقل تجربتها، وبعد أكثر من عامين من البحث والكتابة المستمرة، قامت بنشر روايتها «ثلاثية الدال»، وهي عبارة عن عمل سردي مختلف ويشير إلى نضج التجربة والأدوات لدى الكاتبة، وتلك الرواية مستلهمة من قصة حقيقية حدثت في الإمارات، وفي إمارة دبي تحديداً، حيث تناولت النجار في الرواية حادثة احتراق وغرق السفينة «دارا»، التي وقعت في «دبي» قبل أكثر من 50 سنة، وتحديداً في الثامن من إبريل عام 1961، قبل رحلتها المقررة إلى الهند، وكانت النجار قد ذكرت أنها قد اطلعت على مقال عن الواقعة في صحيفة محلية، فكانت التفاصيل التي اطّلعت عليها هي الدافع الذي حفزها لكتابة الأحداث بصورة مختلفة.

تفاصيل خيالية

علقت تلك القصة في ذهن النجار وحرّضتها على ممارسة فعل الكتابة، وتقول: «تلك الحادثة كانت مأساة إنسانية عايشها أهل الإمارات وسكان الخليج قبل أكثر من نصف قرن، وما زالت تُسرد للأبناء حتى يومنا هذا، ومنذ أن قرأت مقالاً عنها قبل أعوام في صحيفة محلية، بقيت تفاصيل غرق السفينة وقصص الناجين عالقة في ذهني، وتخيلت أنني سأكتب عنها ذات يوم، وهذا ما حدث، فاستلهمت تلك الحادثة لكن بشخصيات لا تمت للواقع بصلة، وبالفعل نجحت الكاتبة في صناعة تفاصيل ووقائع بشخصيات خيالية، في رواية تتكون من ثلاثة أجزاء بناءً على الفترة الزمنية وكذلك نوع الراوي، هذه الأجزاء الثلاثة تبدأ بحرف الدال وهي دارا، دانة، دبي، ويتناول الجزء الأول حادث احتراق وغرق السفينة التي كانت تقل نحو 690 راكباً و132 من طاقم السفينة، بينما بلغ عدد الضحايا في الحادث 238 شخصاً، أما الجزآن الثاني والثالث، فيرويان مصائر الناجين، وكيف أثرت تلك الكارثة في حياتهم وغيرتها، ودائماً ما تشير النجار إلى أن الكتابة عن حدث حقيقي هو بمثابة توثيق له، حيث وجدت تلك الرواية صدى كبيراً، وحازت جائزة معرض الشارقة للكتاب لأفضل كتاب إماراتي، وتمت ترجمتها إلى عدة لغات.

قصة قصيرة

عقب نشر أعمالها الروائية، صدر للنجار مجموعة بعنوان«لعبة البازل»، وتضم قصصاً قصيرة، وقصيرة جداً؛ ويرى كثيرون أن ذلك الأمر يبدو غريباً؛ أي البداية بالرواية ثم كتابة القصة، غير أن النجار لا ترى الأمر كذلك، فهي تؤكد الاختلاف بين الجنسين، فللرواية تقنياتها الخاصة وكذلك القصة بمختلف أنواعها.

أدب الأطفال

خاضت النجار كذلك تجربة الكتابة للأطفال، واستطاعت أن تنتج الكثير من المؤلفات والأعمال القصصية في هذا المجال، وهي ترى أن هنالك خصوصية لأدب الصغار، الذي يمثل بالنسبة لها تجربة مغايرة وممتعة في الوقت ذاته، حيث صدر لها أكثر من 5 كتب مصورة للأطفال، وحصلت قصة «أصوات العالم» على جائزة العويس، فيما أدرجت قصتها الأخرى «النمر الأرقط»، ضمن منهج اللغة العربية في الإمارات، وكذلك اختيرت قصة «نزهتي العجيبة مع العم سالم» في اللائحة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

إضاءة

حصلت نادية النجار على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي من جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، لها إصدارات عديدة في مجال الرواية والقصة القصيرة وأدب الطفل، كما حصلت على جوائز كثيرة، منها: جائزة «معرض الشارقة للكتاب» و«جائزة الإمارات للرواية» و«جائزة العويس»، وجائزة «الدكتور عبد العزيز المنصور».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wb775dp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"