عادي
قناديل إماراتية

حمد بن صراي.. التاريخ علم يتسم بالموضوعية

00:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

علاء الدين محمود
«التاريخ لا يكتبه المنتصرون، كما يشاع، بل يكتبه المتخصصون، ذلك وحده هو التاريخ الحقيقي، كذلك لا بد من فصل السياسي عن التاريخي، ولا بد من التعامل بوعي ودراية كافيتين أثناء البحث في وثيقة معينة، مع ميول كاتبها، وارتباطاته الأيديولوجية، وأخذ ذلك في الحسبان أثناء تحليلها، أنا شخصياً أحب الحيادية جداً في التاريخ»، تلك الكلمات للكاتب والمؤرخ والباحث في التراث د. حمد جمعة بن صراي، تؤكد حبّه الكبير للتاريخ وانحيازه إلى ضرورة الاهتمام بالمادة التاريخية بعيداً عن التوظيف الأيديولوجي والفكري، وربما تلك الصرامة هي ما جعلت ابن صراي واحداً من أميز الذي غاصوا في الدراسات والبحوث التاريخية، ويشهد على ذلك مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة التي تناولت مناحي كثيرة ليس في التراث والتراث فقط، بل وكذلك الأدب والثقافة والمعرفة.

منذ وقت باكر بدأت علاقة الحب بين ابن صراي المولود في عام 1963، في رأس الخيمة، والتاريخ، حيث تربّى في كنف جدّه، والذي كان يعمل في مجال صناعة السلاح القديم التقليدي مثل: السيوف والخناجر، حيث عمل في تلك الصناعة لمدة تناهز ال 80 عاماً، فتشكلت لديه ذاكرة ثرية، وكانت خلف تلك الأدوات قصص وحكايات تشبع بها الصبي ابن صراي، والذي جمعته علاقة قوية بجدّه الذي كان يطلعه على الحكايات القديمة، وكان ابن صراي يستمع إليها بشغف شديد، لتسهم تلك المرويات في تشكيل وجدانه ومعارفه، بل وتلعب دوراً حاسماً في توجّهه نحو التاريخ، حيث إن تلك المرويات والأدوات جعلته ينفتح على تراث الإمارات مبكراً، وعلى حكايات البطولات فيها، والعادات، والتقاليد، وكان ذلك الجدّ من المعمرين إذ عاش 115 سنة، وزرع في حفيده الاهتمام بالتاريخ منذ صغره.

وعلى الرغم من أن ذلك الجدّ لم يكن متعلماً، لكنه أدرك أهمية المعارف والعلوم، فكان أن دفع بحفيده مبكراً للمدرسة ليتعلم، ويرى ابن صراي في ذلك ذكاءً، وعمقاً ميز معظم الآباء والأجداد في تلك الفترة القديمة من التاريخ الإماراتي، وربما ذلك ما دفعه للقول: «الآباء لم يتعلموا لكنهم ضحّوا من أجل أن يتعلم أبناؤهم، لأنهم اكتشفوا مبكراً أهمية التعليم، ذلك لأنهم كانوا يسافرون كثيراً للتجارة، ووصلوا إلى مناطق عدة، واحتكّوا بثقافات مختلفة».

انتقل ذلك الحب الشديد لابن صراي للتاريخ والتراث إلى المدرسة، إذ كان يقبل بنهم شديد على القراءة في مختلف أنواع المعارف، وبصورة خاصة مؤلفات التاريخ، وفي المرحلة الثانوية في مدرسة رأس الخيمة، كان من رواد المكتبة بصورة مستمرة، حيث كان يجلس بالساعات حتى ينهي كتاباً كاملاً، ومن تلك المؤلفات التي لفتت انتباهه وحببته في التاريخ، كتاب «سقوط الدولة العباسية»، للمؤلف المعروف سعد بن حذيفة الغامدي، ويلفت ابن صراي إلى ولعه كذلك بقراءة الروايات والسير الذاتية للأشخاص، وفي الجامعة توثقت علاقة ابن صراي بالتاريخ، وهو دائماً ما يشير إلى الدور الكبير الذي لعبه د. حسن علي حسن أستاذ التاريخ في جامعة الإمارات، والذي حبّبه في تلك المادة وأثر في اتجاهه نحو التخصص في التاريخ، وكذلك الأستاذ جون هيلي، والذي تعلم على يديه في فترة الدراسة في بريطانيا، وكذلك عدد من الأساتذة الآخرين مثل: عبد الرحمن الحجي، والتوم الطالب.

تأثر

وهنالك الكثير من المؤرخين العرب الذين حازوا إعجاب ابن صراي وتأثر بهم مثل: جواد علي، ود. لطفي عبد الوهاب، وأبو اليسر فرح، وسليمان الذيب، وعبد الرحمن الأنصاري، ومن المؤرخين الغربيين هنالك د. ريكي سميث، ودانيال باييس، ونخبة من المؤرخين الذين أسهموا في التكوين الوجداني والمعرفي لابن صراي.

ثم بدأت مرحلة الكتابة في التاريخ في مسيرة ابن صراي في العام 1998، الذي شهد مولد أول كتاب له، والذي حمل عنوان «تاريخ شبه الجزيرة العربية»، ويحتل مكانة خاصة عند المؤلف لكونه أول مؤلفاته، والذي كان بمثابة البداية التي تلتها العديد من المؤلفات حتى بلغت 36 كتاباً في التاريخ والتراث، وهي التي أثرت المكتبة الإماراتية والعربية مثل: «التدمريون في الآفاق الفسيحة»، و«معجم الأدوات في التراث الإماراتي»، و«قراءة في كتاب الأصنام لابن الكلبي»، و«منطقة الخليج العربي بين فارس وبيزنطة»، و«جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام من خلال المصادر العربية الإسلامية: رؤية نقدية تحليلية»، والعديد من الكتابات اللافتة في مجالي التاريخ والتراث، كما أن ابن صراي ينظر بعين التقدير والاحترام للعديد من الباحثين في مجال التراث في الإمارات مثل: عبد العزيز مسلم، وسلطان العميمي، وغيرهما ممن ظلوا يبذلون جهدهم ووقتهم ومعارفهم من أجل التراث الإماراتي.

أعمال مختلفة

اهتم ابن صراي كذلك، وبصورة كبيرة بالأدب والثقافة وسيرة كثير من رموز ورواد الإبداع الإماراتي في مجالات متعددة مثل: الشعر والرواية والقصة، حيث احتفى بهم لكونهم بمثابة رموز ثقافية وإبداعية، حيث ألف كتاباً عن أحمد راشد ثاني، وهو عبارة عن دراسة بعنوان «أحمد بن راشد ثاني بين التاريخ والتراث... رؤية نقدية»، كما كتب عن القاصة والروائية الإماراتية مريم جمعة فرج، وله مؤلفات عن الروائي علي أبو الريش، وتناول عبر تلك الكتب سيرة هؤلاء الأدباء والمبدعين وتوقف عند محطات مهمة في حياتهم التي وهبوها للفكر والإبداع، كما وثق ابن صراي للحراك المسرحي في مسقط رأسه في إمارة رأس الخيمة عبر كتاب «الستارة: عقدان من التاريخ المسرحي لإمارة رأس الخيمة». كما له مؤلف بعنوان «مقالات في الفنون والتراث»، وذلك ما يشير إلى محاولاته الجمع بين التاريخ والتراث والفنون والأدب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/rmn6nn3c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"