عادي
إيليا ريبين فنان الواقعية الروسية

«عودة غير متوقعة».. قصة قصيرة في لوحة

19:31 مساء
قراءة 4 دقائق
عودة غير متوقعة

الشارقة: عثمان حسن

إيليا ريبين (1844 - 1930) من أبرز الفنانين الروس الذين ينتمون للمدرسة الواقعية خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولد في أوكرانيا، له لوحات شهيرة مثل: «عربات المراكب على نهر الفولغا»، و«الموكب الديني في مقاطعة كورسك»، و«إيفان الرهيب»، عرف بصوره التي رسمها لشخصيات أدبية وفنية بارزة في عصره، مثل: ميخائيل جلينكا، موديست موسورجسكي، بافيل تريتياكوف، وبشكل خاص ليو تولستوي، الذي ربطته به علاقة صداقة طويلة.

زار ريبين عدة متاحف عالمية وعرضت أعماله في كبريات الجاليريات الفنية، فاز بجوائز عدة بين عامي 1869 و1871. وفي عام 1872، وبعد جولة على طول نهر الفولغا قدم رسوماته في أكاديمية الفنون في سانت بطرسبرغ. ومن ثم بدأت تتوالى إنجازاته الفنية في داخل الاتحاد السوفييتي سابقاً وفي أوروبا.

*خلفية

أكمل إيليا ريبين سبع سنوات من الدراسة في الأكاديمية الإمبراطورية للفنون في عام 1871، وحصل على الميدالية الذهبية الكبرى للأكاديمية عن لوحة «قيامة ابنة يايرس»، وكذلك لقب فنان الطبقة. من عام 1873 إلى عام 1876، عاش ريبين وعمل في فرنسا.

عاد ريبين من باريس إلى سانت بطرسبرغ في يوليو 1876 ومن ثم إلى مسقط رأسه في تشوجويف حيث مكث حتى سبتمبر 1877. ثم عاد إلى موسكو، حيث عاش وعمل لمدة خمس سنوات.

في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، تأثر ريبين بشكل كبير باغتيال الإمبراطور ألكسندر الثاني على يد بيرفومارتوفتسي، ما عرف بأحداث الأول من مارس، وفي أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، فكر في إنجاز سلسلة من اللوحات حول موضوع «نارودزم»، وهي حركة سياسية للمثقفين الروس في سبعينيات القرن التاسع عشر. والتي من ضمنها لوحته الشهيرة (عودة غير متوقعة).

(عودة غير متوقعة) هي لوحة تصور عودة أحد الشباب من المنفى، كما تصور الانفعالات النفسية التي بدت على عائلته جراء هذه العودة غير المتوقعة، بدأ ريبين العمل على نسخ مبكرة من اللوحة عام 1884 في منزله الريفي في مارتيشكينو. عرضها في نفس العام في المعرض المتنقل الثاني عشر لبيرديفنشكي، والذي تضمن في حينه على رسومات لمجموعة من الفنانين الواقعيين الروس الذين سافروا في جميع أنحاء روسيا لاستضافة معارض فنية، بدءاً من سانت بطرسبرغ مروراً بمدن أخرى في روسيا. تم شراء اللوحة من قبل بافل تريتياكوف في عام 1885 لتقدم في معرضه. ومع ذلك، استمر ريبين في العمل على اللوحة بعد شرائها، وأجرى العديد من التغييرات في أعوام 1885 و1887 و1888، وبشكل أساسي على وجه الرجل الذي يدخل الغرفة.

هناك نسختان مختلفتان من اللوحة، بدأ ريبين العمل على الأولى في 1883، وكانت تصور عودة طالبة إلى عائلتها، ووجه الطالبة كان يذكر بابنته ناديا، لكنه قام بتغييرات على شخصية الشابة، واستبدلها بشاب.

* انفعالات

اللوحة تصور اللحظة التي يدخل فيها الشاب الغرفة، بعد غياب طويل في المنفى، بصفته كان عضواً في «نارودنايا فوليا» والناردونية «كانت تمثل حركة من طلائع المثقفين الروس في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، انخرط بعضهم في التحريض الثوري ضد القيصرية.

فوجئ من في الغرفة، بالرجل الزائر، وهم في الحقيقة أفراد من عائلته، واللوحة تبرز أقصى حالات الانفعال والتأثر على العائلة، فهناك فرحة مترددة، وغير مكتملة، تبدو على ملامح المرأة الجالسة على البيانو، زوجة الرجل المنفي، كما هو لدى الصبي الجالس على الطاولة، وذات الفرحة المترددة بدت مرسومة على وجه الفتاة الصغيرة في جانب اللوحة، التي يبدو أنها لا تعرف من الرجل، وهناك دهشة حذرة من الخادمة التي تقف عند المدخل، أما المرأة في منتصف العمر في مقدمة اللوحة، فهي والدته، والتي تبدو أكثر تأثراً، ويعبر شكلها المنحني عن اضطراب عميق.

إن رد فعل الرجل واضح أيضاً، فتعبيرات وجهه، وميل رأسه يدل على انفعاله هو الآخر، حيث أبرزه ريبين بتعبيرات الرجل المشكوك في أمره، والذي هو محل استجواب.. ومن جانب آخر، فاللوحة تبرز وبكل تأكيد نوعاً من البطولة المشوبة بالمعاناة.

هذا المنتج التصويري حول المنفى، وما فيه من مشاعر وانفعالات، خاصة ما بين الشاب ووالدته، هو محور هذه اللوحة، والأم هي الرابط الأساس بين الرجل ومن في هذا الفضاء التصويري داخل اللوحة، هي ما يربط بين الرجل وبقية أفراد العائلة، فثمة حركة لا إرادية تقوم بها الأم تجاه ولدها، من خلال الكرسي الذي تدفعه جانباً، فبدت يدها في مركز اللوحة في مستوى زوجة ابنها الجالسة على البيانو.

* شخصيات

الشخصيات الثانوية، في اللوحة تمثل: الطفل الجالس على الطاولة في الجزء الأيمن من اللوحة، مع شقيقته، وتبدو على محياهما علامات دهشة وتساؤل، الطفلة تظهر في اللوحة بساقين منحنيتين على نحو غير مألوف، ومع ذلك فثمة بهجة ودفء واتساق يغمر التفاصيل التي تملأ اللوحة، كقطع الأثاث المرسومة بتناغم يشي بشقة نموذجية لعائلة المثقفين في ذلك الوقت.

أشاد كثير من النقاد الروس بهذه اللوحة التي اعتبرت تحفة من مدرسة الفنون الروسية.. فقد اعتبر المؤرخ الفرنسي آلان بيزانسون اللوحة نموذجاً للعلاقة التي تمزج بين الرسم والأدب، ووصفها مؤرخ الفن ديمتري سارابيانوف بأنها واحدة من قمم روسيا الفنية في القرن التاسع عشر. كما وصف الباحث الفني أليكسي فيدوروف «عودة غير متوقعة» بأنها من «أهم وأضخم» أعمال الفنان في الموضوعات الثورية.

وفي مقالته عام 1948 بعنوان «صفحات جديدة من السيرة الإبداعية لريبين»، ناقش مؤرخ الفن إيليا زيلبرشتاين النسخة الأولى من اللوحة بقوله: (كانت تهدف إلى إبراز فتاة صغيرة باعتبارها الشخصية الرئيسية، كان لباسها مشابها بشكل لافت للنظر لملابس الطالبة في لوحة نيكولاي ياروشينكو، حيث ارتدت البطلتان نسيجاً منقوشا بغطاء صغير على رأسيهما، وعندما رأى ريبين الطالبة وقرأ المراجعات الصحفية، قرر استبدال شخصية الفتاة الصغيرة في النسخة الثانية من لوحته بشخصية شاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p85r9b9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"