فرنسا والمأزق المغاربي

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

رغم خروج المستعمر الفرنسي من عدد من الدول المغاربية قبل عدة عقود، إلا أنه ترك خلفه الكثير من المشاكل والنزاعات التي ما زالت تلقي بظلالها القاتمة على واقع المنطقة ومستقبلها.

وقد حرصت باريس على استغلال التناقضات والصراعات القائمة في المنطقة لصالحها، فارتباطاً بموضوع الصحراء المغربية، ورغم مواقفها التي تؤكد فيها أهمية مشروع الحكم الذاتي، كخيار واقعي طرحه المغرب قبل سنوات لتسوية نهائية للملف، فإن الضبابية ما زالت تلف مواقفها بصدد هذه القضية، على عكس عدد من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وإسبانيا، وهو ما يجعلها تتأرجح بين الميل للجزائر تارة وللمغرب تارة أخرى، من أجل الحفاظ على مصالحها المختلفة، مستثمرة في ذلك وجود عدد من النخب المغاربية المؤيدة لتوجهاتها في المنطقة.

وكثيراً ما دفعها الحرص الكبير على تحقيق مصالحها، إلى التضحية بكثير من المبادئ والشعارات التي طالما دافعت عنها، ففرنسا التي كثيراً ما ندّدت بالاستبداد، ودعت إلى احترام حقوق الإنسان في عدد من دول العالم، هي نفسها التي دعمت القذافي في عزّ قوته، طمعاً في الإمكانيات النفطية للبلاد، حيث استفاد الرئيس السابق «نيكولا ساركوزي» من دعم مالي لحملته الانتخابية لعام 2007، قبل أن تنقلب عليه في عام 2011 تحت ضغط الشارع الليبي. وهي نفسها التي ظلت تدعم نظام بن علي إلى آخر لحظة، قبل أن يقول الشعب التونسي كلمته الحاسمة.

وازداد ارتباك السياسة الخارجية الفرنسية إزاء المنطقة المغاربية، مع توالي انتكاساتها داخل القارة الإفريقية بشكل عام، ذلك أن فشلها في الاستمرار بحضورها الوازن داخل العمق الإفريقي، جرّاء صعود نخب إفريقية جديدة داخل المشهدين الاقتصادي والسياسي في عدد من بلدان القارة السمراء، وميلها إلى إرساء توجهات سيادية انسجاماً مع المصالح الحقيقة لهذه البلدان، ضاق الخناق على الوجود الفرنسي داخل إفريقيا، وخاصة أن الأمر يتزامن مع تزايد اهتمام عدد من القوى الدولية الكبرى التي ليس لها ماضٍ استعماري في القارة كالصين وروسيا.

ورفضاً لمنطق الوصاية التي تريد فرنسا ممارستها في المنطقة المغاربية، سبق للملك محمد السادس أن أعلن في عام 2022 أن تحرك السياسة الخارجية للمغرب تجاه محيطه الدولي، في إطار الشراكات وإرساء الصداقات، يحدّده الموقف من قضية الصحراء المغربية.

تشير الوقائع والممارسات، إلى أن تعزيز حضور فرنسا في المنطقة المغاربية ينتعش أساساً من حالتي اللاحرب واللاسلم التي تحرص على تكريسها بسبل مختلفة، رغم علاقاتها الاقتصادية المتميزة مع جلّ هذه البلدان.

والواقع أن تحقيق فرنسا لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة المغاربية بشكل مستدام، لا يمكن أن يتأتى إلا في فضاء قوي ومستقر، وفي إطار شراكة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار لمصالح الدول المغاربية مجتمعة، وهو ما ينبغي أن تعيه باريس بشكل جيد، وتعمل على توفير شروطه البنّاءة بعيداً عن لغة التعالي والمناورات الضيقة.

لقد كتب للإمكانيات والمقومات البشرية والاقتصادية والطبيعية التي تزخر بها المنطقة أن تتعرض لمزيد من الهدر، مع الجمود الذي يطبع أداء الاتحاد المغاربي، ومع تصاعد الخلافات المغاربية بعد تكريس منطق القطيعة بين الجزائر والمغرب، واستقبال الرئيس التونسي لزعيم البوليساريو قبل بضعة أشهر.

تمرّ المنطقة المغاربية بوضع صعب وغير مسبوق بالنظر إلى حجم المشاكل والأزمات التي تلاحق دول المنطقة، وتموقعها في محيط يطبعه عدم الاستقرار، بالنظر لما تعرفه ليبيا من تطورات، وللإشكالات الأمنية والاجتماعية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء. ولا شك أن أي تصعيد جديد في هذه المنطقة ستكون كلفته خطيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما ينبغي أن تستشعره البلدان المغاربية مجتمعة، وكذلك البلدان الأوروبية وعلى رأسها فرنسا التي ستطولها ارتدادات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة في حال تدهور الأوضاع الأمنية في محيطها الجنوبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt9fafm4

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"