عادي

الانتخابات التونسية.. ترسيخ للأمر الواقع

22:54 مساء
قراءة 4 دقائق

د.محمد عزالعرب *

عكست نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي ترسيخ سياسة الأمر الواقع، حيث تصدر «حراك 25 يوليو» نتائج الانتخابات بما يجعلها الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد، فضلاً عن كتل أخرى وهي حركة الشعب وائتلاف «لينتصر الشعب»، وجبهة «الشعب يؤسس»، وهو ما يشير إلى أن مشروعات القوانين التي ينوي الرئيس قيس سعيّد طرحها وحكومته سوف يتم تمريرها، رغماً عن قوى المعارضة.

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس النتائج الأولية لعملية التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، أن نسبة المشاركة بلغت 11.4% (نحو 887.638 ناخب من إجمالي عدد الناخبين المسجلين للتصويت في هذه الجولة) من إجمالي عدد الناخبين البالغ نحو 9 ملايين ناخب، وهي نفس نسبة المشاركة تقريباً في الجولة الأولى التي أجريت في 17 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، والتي بلغت حوالي 11.2%، رغم أن الدولة كانت تطمح في أن تزيد نسبة المشاركة إلى 20%.

تفسيرات المقاطعة

ويمكن القول إن هناك عدداً من العوامل أدت إلى تلك المقاطعة في جولتيها الأولى والثانية ومن أبرزها:

* أولاً، نجاح حملات المقاطعة التي شنتها المعارضة، والقوى المعارضة لمسار 25 يوليو التصحيحي وعلى رأسهم حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني وحزب الدستوري الحر، طوال الفترة التي سبقت إجراء الجولتين الأولى والثانية من هذه الانتخابات، والتي ساهمت بشكل كبير في عزوف نحو 90% من الناخبين الذين لهم الحق في التصويت.

* ثانياً، عدم الثقة في عمل البرلمان الجديد، إذ إن هذه النسبة من المشاركة التصويتية تكشف غياب ثقة الناخبين في مؤسسات الدولة ومنها البرلمان، خاصة أن العقد الماضي دفع الناخبين للعزوف عن المشاركة في العملية التصويتية، متهماً بعض الجهات بالتعامل مع الخارج في محاولة لزعزعة استقرار البلاد سياسياً، وهو ما أثر سلباً في نسبة المشاركة في هذه الجولة من الانتخابات.

* ثالثاً، ساهمت الأوضاع الداخلية غير المستقرة في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع والخدمات الرئيسية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع معدل تضخم، في إحجام نسبة كبيرة من الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم، في ظل التشكيك في إمكانية قيام المرشحين بطرح أفكار ومشروعات بديلة لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المضطربة داخل البلاد.

كتل جديدة

وقد أسفرت النتائج الأولية لعملية التصويت في الجولة الثانية، عن صعود كتل نيابية جديدة، إذ فازت خمس كتل نيابية ب 131 مقعداً (109 رجال – 22 امرأة)، فيما فاز في الدور الأول 23 مرشحاً (3 نساء -20 رجلاً)، وذلك على النحو التالي:

(*) «حراك 25 يوليو»، حيث نجح مرشحوه في الفوز ب 80 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددها 161 مقعداً، وبذلك تكون الكتلة النيابية لحراك 25 يوليو هي الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد، وهو ما يعني تمرير مشروعات القوانين التي سيطرحها الرئيس «قيس سعيّد» وحكومته، وبالتالي مواصلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في محاولة لتحقيق الاستقرار على كافة المستويات خلال الفترة القادمة.

(*) «حركة الشعب»، نجحت في الحصول على 25 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان الجديد لتحتل المرتبة الثانية في قائمة الكتل النيابية في البرلمان، وتحمل الحركة توجهات قومية ناصرية، وكانت نجحت في الفوز بمقعد واحد في الجولة الأولى.

(*) ائتلاف «لينتصر الشعب»، نجح في الفوز ب 13 مقعداً، والذي يضم النائب السابق عن الجبهة الشعبية «منجي الرحوي»، وعميد المحامين السابق «إبراهيم بودربالة»، ولم يتم الكشف عن عدد المقاعد الذي فاز به الائتلاف حتى الآن، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات الوطنية المستقلة والنقابية، مثل محمد سعد ومحمد علي البوغديري العضوين السابقين في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وقوى سياسية مثل حركة «البعث» و«قوى تونس الحرة».

(*) جبهة «الشعب يؤسس»، التي نجحت في الفوز ب 10 مقاعد، وهذه الجبهة تؤيد الرئيس سعيّد.

(*) عودة نواب سابقين للبرلمان، أفرزت النتائج الأولية أيضاً عن عودة بعض النواب السابقين ممن كانوا منتمين إلى حزب نداء تونس وكانوا أعضاء في برلماني 2014 و2019، والذين خاضوا هذه الانتخابات كمرشحين مستقلين، ومن أبرزهم «فاطمة المسدي» و«رياض جعيدان»، و«عماد أولاد جبريل».

دلالات مهمة

حملت النتائج الأولية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية مجموعة من الدلالات المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- ترسيخ الأمر الواقع: كشفت نسبة عزوف الناخبين الذين لهم حق الاقتراع عن التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات، عن أن البرلمان القادم سيكون أمراً واقعاً فرضه العدد الصغير من الناخبين الذين شاركوا في العملية التصويتية، وأعطوا أصواتهم للمرشحين المستقلين ومرشحي بعض الأحزاب السياسية التي شاركت في هذه الانتخابات، والمؤيدين لمسار التصحيح الذي يقوده الرئيس سعيد، حيث وصفته بعض الأحزاب السياسية المعارضة (التيار الديمقراطي - العمال – القطب – الجمهوري..) بأنه فاقد للشرعية، ومنزوع الصلاحيات وبالتالي ليس له الحق في أن يمارس السلطة التشريعية باسم الشعب التونسي، وهو ما سيجعل أعضاء البرلمان الجديد تحت ضغوط الشارع التونسي بشأن قدراتهم على تحقيق مطالب وطموحات الشعب التونسي خلال الفترة القادمة.

2- استمرار ضعف المعارضة: رغم عزوف القطاع الواسع من الرأي العام التونسي عن المشاركة، إلا أن ذلك لا يعني نجاح الأحزاب والقوى السياسية المعارضة مثل حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، في جذب المواطنين لتأييدهم ومن ثم توسيع جبهة المعارضة، ويرجع ذلك إلى أن الرأي العام الداخلي يدرك مسؤولية الأحزاب المعارضة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في البلاد.

3- مواصلة الإصلاحات الاقتصادية: من شأن الانتهاء من الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية، أن يمنح المزيد من الشرعية للرئيس قيس سعيّد لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية، خاصة أن الانتخابات البرلمانية كانت البند الأخير في خريطة طريق الإصلاحات السياسية والدستورية.

تأزم ممتد

خلاصة القول إن الانتخابات البرلمانية لا تقود إلى استقرار في تونس، لاسيما في ظل محاولة قوى المعارضة وخاصة حركة النهضة وجبهة الخلاص لتأجيج الشارع في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية حادة، قد تستغلها الجماعات الإرهابية في المناطق الطرفية.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ju9zb7c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"