المدن الذكية ومواجهة الكوارث

01:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

يوم بعد يوم تزداد الحاجة إلى استثمار التطور التكنولوجي والرقمي في مختلف مناحي الحياة الإنسانية، بخاصة على مستوى المدن، بما يدعم الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة، وتيسير الولوج إلى مختلف الخدمات والمرافق بقدر من اليسر والمرونة.

وفي هذا السياق، بدأ تداول مصطلح المدن الذكية، الذي يحيل إلى توظيف الطفرة التكنولوجية والرقمية في تعزيز قدرات المدن، كسبيل لمواجهة مختلف الإشكالات، والاستجابة للتطورات المجتمعية المتصلة بتمددها، والمحافظة على البيئة، وإضفاء طابع من الحوكمة على الخدمات المقدمة للمواطن.

فالمدن الذكية هي تلك التي تحرص على توظيف التكنولوجيا الحديثة والاتصالات في تلبية الحاجات المتزايدة للجمهور، في إطار من المقاربة التشاركية بين القطاعين الحكومي والخاص، وإلى إرساء اقتصاد صديق للبيئة، واعتماد سياسات حضرية، تقوم على استثمار الكفاءات البشرية المتخصصة، وتوظيف الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تشجيع الإبداع والابتكار، واستحضار المواطن في كل الخطوات والبرامج المعتمدة.

إنها تمثل أسلوباً رشيداً ومتطوراً لتدبير محلي منفتح على المستقبل، يعزز الحقوق والحريات، ويدعم تخليق الأداء، ويفتح آفاقاً واعدة على استثمار التطورات الرقمية في التفاعل الإيجابي مع الجمهور، وفي جلب الرساميل، والتسويق لمختلف المقومات والفرص الاستثمارية والسياحية، وفي تعزيز التنافسية في عالم متشابك المصالح.

تطورت المدن وتصاعدت أدوارها، وتضاعف عدد سكان الحواضر عالمياً بشكل ملحوظ، بسبب تنامي الهجرة نحوها. وتبرز الإحصائيات أن هناك أكثر من 50 مدينة يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين في الوقت الراهن، ما يفرض إرساء سلسلات حضرية/ ترابية تقوم على القرب، وعلى اعتماد آليات ذكية في تلبية الحاجيات المتزايدة للمدن، وفي إرساء تدبير استراتيجي حديث، يضع تدبير الأزمات والكوارث على قائمة الأولويات والاهتمامات كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة.

تستند المدن الذكية في جزء كبير منها، إلى مقوم المعلومات التي تهم المرافق والبنى التحتية الصحية والتعليمية، والطرق وشبكات الربط بالكهرباء والماء، ومختلف الإدارات والمرافق والقطاعات كتدبير النفايات، وكاميرات رصد المخالفات والجرائم، وتوظيفها في تنظيم وتسيير شؤون المدن، وفي وضع مخططات استراتيجية تسهم في تطويرها.

لا يتحقق رهان المدن الذكية إلا بتعليم ذكي، واقتصاد ذكي، وتدبير إداري ذكي، بالإضافة إلى إرساء بنى تحتية متطورة، وتكوين أطر على قدر من الكفاءة، التي تسمح بكسب هذا الرهان.

تمثّل الكوارث بمختلف أشكالها الطبيعية أو البشرية تحدّياً كبيراً أمام تطور المدن واستقرارها، وهو ما تأكد مع جائحة كورونا، فالأمر يتعلق بحوادث أو اضطرابات مفاجئة وضاغطة، تتمخض عن مجموعة من الخسائر في الأرواح، والمنشآت، والبنى التحتية والمصالح الاقتصادية، تقتضي اعتماد تدابير وقائية، توفر شروط الجاهزية وتقلل من الأضرار، أو تدخلات بعدية، تقوم على السرعة على مستوى تقييم المخاطر واعتماد تدابير على قدر من النجاعة.

إن تعقد المخاطر والكوارث، في الوقت الراهن، أصبح يفرض على المدن المزيد من الانفتاح على التكنولوجيا الرقمية، كمدخل مهم لجمع البيانات والمعطيات، وتصنيفها وتوظيفها في هذه المحطات الصعبة، كما لا تخفى أهمية استخدام الاستشعار عن بعد، والإنذار المبكر في التعامل مع مختلف الأزمات والكوارث، بما يسهم في تحقيق الجاهزية اللازمة التي تضمن التقليل من الخسائر.

كما أن اعتماد تصاميم متطورة للتهيئة، واستحضار معايير السلامة، ومدّ الطرق وفق الشروط اللازمة، ووضع منصات تواصل داخل المدن، كلها عوامل تسهم بشكل كبير في توفير أرضية كفيلة بالتعامل العقلاني مع الكوارث، بل وتتيح الخروج منها بأقل كلفة ممكنة.

ومن منطلق أن المدن الذكية هي مدن آمنة بالأساس، وتستحضر المواطن في صلب اهتماماتها وأولوياتها، فيمكنها أن تبدع مداخل متطورة وناجعة لتدبير وتقييم المخاطر والكوارث، وإدارة المخاطر العمرانية والبيئية. وتشير الكثير من التقارير والدراسات العلمية إلى أن المدن الذكية تمثل بإمكانياتها التقنية والبشرية ومخططاتها المنفتحة على المستقبل سداً منيعاً أمام مختلف المخاطر والكوارث، بالنظر إلى توظيف المعلومات، واعتماد شروط السلامة في المباني، وتوظيف الذكاء الاصطناعي ونظم الإنذار المبكر، وإرساء نظام لتدبير للكوارث والأزمات يعتمد على القرب والتشاركية.

وقد شكلت جائحة كورونا محكاً حقيقياً لقياس أهمية المدن التي استطاعت توظيف التكنولوجيا الحديثة والمعلومات، واستثمار عدد من البرامج الذكية، في إرساء مداخل على قدر كبير من النجاعة في التعامل مع الكوارث والأزمات، ساهمت في التقليل من مخاطرها، وفي التواصل مع المواطنين، وتأمين حاجياتهم المختلفة بشكل سلس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/cubs8euf

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"