مسؤولية المجتمع الدولي إبّان الكوارث

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

على الرغم من التطورات التي حققها الإنسان في عدد من المجالات والميادين، في سياق تحقيق التنمية المستدامة، وتأمين حماية حقوق الإنسان بمختلف أصنافها وأجيالها، فإن الواقع يؤكد يوماً بعد يوم، أن العالم ما زال معرّضاً لكثير من التهديدات والمخاطر، سواء تلك الناجمة عن الأخطاء البشرية، أو العوامل الطبيعية.

وقد كشفت جائحة «كورونا»، بانعكاساتها الخطرة التي طالت عدداً من المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، عن خلل كبير في المنظومة الدولية لتدبير الأزمات، بصورة تعكس أن المجتمع الدولي لم يكن يتصور أن الأمراض الخطرة، يمكن أن تمثل أحد التهديدات الحقيقية العابرة للحدود.

وتأكد مع الزلزال المدمر الأخير الذي ضرب جنوبي تركيا ومناطق في سوريا، وخلّف أكثر من 50 ألف قتيل، وأزيد من 120 ألف مصاب، أن العالم ما زال بحاجة ملحّة إلى إرساء سبل أكثر تطوراً ونجاعة في التعامل مع هذه المحطات القاسية والضاغطة.

تشكّل الكوارث الطبيعية تحدّياً كبيراً أمام الدول، بالنظر إلى فجائيتها وانعكاساتها الخطرة التي تفرض اتخاذ قرارات سريعة في سياق تطويق الوضع، ومنع تمدّده أو خروجه عن نطاق التحكم والسيطرة، أو حتى طلب الدعم الخارجي والمساعدات الدولية للتغلب على تداعياتها المختلفة.

تشير الكثير من الدراسات والتقارير ذات الصلة، إلى أن الكوارث الطبيعية، ما زالت تعرقل جهود التنمية المستدامة في عدد من مناطق العالم، وتخلّف خسائر في الأرواح والممتلكات، علاوة على تعميق المعاناة النفسية والاجتماعية لعدد من الفئات المتضررة داخل المجتمعات.

لا يمكن  في كثير من الأحيان  وقف حدوث الكوارث باختلاف أشكالها وأسبابها، غير أن إرساء سبل متطورة ومستدامة تستند إلى كفاءات بشرية مدرّبة، وإلى تقنيات متطورة، وخطط استراتيجية، يمكن أن يسهم في إرساء سبل وقائية وعلاجية تضمن التقليل من الخسائر.

حقيقة فإن الكوارث لا تميز بين الدول، فالكل معنيّ بها، لكن آثارها وانعكاساتها تختلف من بلد لآخر، تبعاً لاختلاف الاستراتيجيات والتدابير المعتمدة في هذا الخصوص. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الكوارث تكلّف البلدان النامية، ما يقارب واحداً في المئة من إجمالي ناتجها المحلي السنوي، في حين لا تتجاوز النسبة في الدول المتقدمة 0.3% كأقصى حد في هذا الشأن.

ووعياً بخطورة الكوارث، ورغبة في مواكبة الجهود الدولية الرامية للحد من الخسائر والانعكاسات التي تنجم عنها، أقرّت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في عام 1989 يوم 13 من أكتوبر كل عام، تاريخاً لتخليد اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث. وتمثل الذكرى مناسبة لإرساء ثقافة عالمية تدعم ترسيخ الوعي بالمخاطر التي تخلفها الكوارث، وفرصة لتقييم حجم التقدم العالمي الحاصل على مستوى الجهود المبذولة في سبيل الحد مخاطر الكوارث.

إن نهج التعاون والتنسيق الدوليين لمواجهة الكوارث ليس عملاً خيرياً؛ بل تدعمه المواثيق والمعاهدات الدولية، فبموجب المادة 56 من ميثاق الأمم المتحدة يتعهّد جميع أعضاء الهيئة بالقيام بشكل انفرادي أو جماعي، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع المنظمة لإدراك المقاصد المختلفة التي تسعى إلى تحقيقها، وبتيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع.

ودعماً للجهود الدولية في هذا الإطار، أحدث مكتب الأمم المتحدة للحدّ من مخاطر الكوارث (UNDRR) في عام 1999، بموجب قرار من الجمعية العامة، رقم 54/219، كمبادرة تدعم تنفيذ إطار عمل «هيوغو» للحد من مخاطر الكوارث، للفترة بين عامي 2005 و2015.

وفي هذا الصدد أيضاً، تم اعتماد إطار «سنداي» للفترة بين عامي 2015 و2030، خلال مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الثالث الذي انعقد في اليابان في 18 من مارس/آذار 2015، وهو يهدف إلى الحد من حدوث مخاطر جديدة وتقليل المخاطر الحالية، حيث يرتكز في جزء كبير منه على البعد الوقائي، بتعزيز الجاهزية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في هذا السياق، والاشتغال بشكل جماعي للحد من الكوارث، مع تأكيد التعاون والتنسيق إقليمياً ودولياً، إلى جانب الدور المركزي للحكومات ومختلف المؤسسات المعنية، ثم الحرص على حماية الأشخاص والممتلكات، والمواكبة الصحية للضحايا، واحترام حقوق الإنسان، ونقل التكنولوجيا كسبيل لتوفير بنى تحتية كفيلة بمواجهة الكوارث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdtua8am

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"