عادي
(جبر الخواطر)

حسن معاملة الأسرى وعتقهم قربة إلى الله

00:02 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

يقول د. مصطفى السباعي في كتاب «من روائع حضارتنا»، إن الفكر الذي جاء به رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم في «جبر خواطر الأسرى» هو عتقهم ليكونوا أحراراً، حتى أصبح هذا العتق قربة إلى الله عز وجل، يفعله المسلم لينال به رضاه سبحانه.

ولم يكن «جبر خاطر» الرسول صلى الله عليه وسلم للأسرى والمنّ عليهم أمراً خيالياً يجمل به صور المسلمين، بل كان أمراً واقعياً، وأجمل ما فيه أن هذه المواقف لم تكن مواقف عابرة حدثت نتيجة ظروف خاصة، أو تحت ضغوط معينة، إنما كانت منهجاً ثابتاً.

كانت القاعدة العامة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول غزوة غنم فيها المسلمون أسرى هي: «استوصوا بهم – أي الأسرى – خيراً». لكن المهم في الأمر أن هذه المعاملة الحسنة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسرى لم تكن مجرد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة، ولكنها تمثلت في مظاهر كثيرة تنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة، وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان.

يضيف د. راغب السرجاني في كتاب «أخلاق الحروب في السنة النبوية» قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (سورة الإنسان: الآية 8)، في هذه الآية الكريمة يحث الله تعالى عباده المؤمنين على الإحسان و«جبر خاطر» أسراهم وإطعامهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكرم الأسير ويجبر بخاطره بالمعاملة الحسنة، تقرباً إلى الله عز وجل، وهذا يعطي أماناً أكثر للأسير، لأن المُسلم يُحسن معاملته وهو يعلم أن الله يراقبه.

قال ابن عباس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم «بدر» أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وقتادة.

ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يقدمون للأسرى ما بقي من طعامهم، بل كانوا ينتقون لهم أجود ما لديهم من طعام، ويجعلونهم يأكلونه عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إجباراً لخاطرهم، وها هو أبو عزيز – شقيق مصعب بن عمير رضي الله عنه – يحكى ما حدث يقول: «كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على من يمسها».

ولم يقتصر المسلمون على إطعام أسراهم من المشركين، بل إنهم كانوا يقدمون لهم الملابس أيضاً، وهذا ثابت في الصحيح، فقد جعل البخاري رحمه الله باباً في الصحيح سماه: باب الكسوة للأسارى.

يقول الشيخ، محمد صديق المنشاوي في كتاب علموا أولادكم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة بدر أيضاً أسر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقيراً محتاجاً له بنات اسمه أبو عزة. فقال أبو عزة: يا رسول الله لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علي. فرحمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجبر بخاطره وأطلق سراحه دون أن يدفع فدية.

وفى معركة بدر أسر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أسر سهيل بن عمرو، وكان خطيباً مفوهاً يؤلب الناس ضد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيتي (الأسنان الأربع التي في مقدمة الفم من أعلى ومن أسفل) سُهيل بن عمرو، ليخرج لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم: «لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً». ثم قال صلى الله عليه وسلم: «عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه». وقد كان، فما استطاع أحد أن يخطب في أهل مكة ويُثبت قلوبهم على الإيمان غيره بعد أن أسلم.

وحتى يتم النظر في شأن الأسرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يجعلونهم في أحد مكانين، إما المسجد وهو أشرف مكان عند المسلمين، وإما بيوت الصحابة رضي الله عنهم. وكان الهدف من إبقاء الأسرى في المسجد أن يروا أخلاق المسلمين وعبادتهم لعلهم يتأثرون بها، فيدخل الإيمان في قلوبهم، وقد حدث هذا بالفعل مع بعضهم ك«ثُمامة» بن أثال رضي الله عنه. أما إبقاء الأسرى في منازل الصحابة فكان هذا إكراماً كبيراً وجبراً لخواطر هؤلاء الأسرى، كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه، فيكون عنده اليومين والثلاثة، فيؤثره على نفسه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v52j27s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"