«المبعوث».. عامان في العراق

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

«المبعوث - The Envoy» كتاب أصدره زلماي خليل زاد مع عنوان فرعي «من كابول إلى البيت الأبيض - رحلتي في عالم مضطرب»، يتطرّق فيه السفير الأمريكي السابق في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة إلى الكثير من التفاصيل التي كانت تدور في كواليس صنع القرار الأمريكي، وهو يروي جانباً من سيرته الذاتية ويومياته ومذكراته.
 وما يزيد من قيمة المعلومات التي وردت في الكتاب أنه كان مبعوثاً خاصاً لدى «المعارضة العراقية الرسمية» في الخارج، وهو الذي أشرف على مؤتمرها في لندن أواخر عام 2002 تحضيراً لشنّ الحرب على العراق في 20 آذار / مارس 2003 والإطاحة بالنظام الحاكم في 9 نيسان / إبريل من العام ذاته.
 ويتحدّر زلماي خليل زاد من أصول أفغانية وبالتحديد من طائفة البشتون، وقد درس في الجامعة الأمريكية في بيروت في ستينات القرن الماضي ولديه بعض الإلمام بسياسات دول المنطقة ومشكلاتها.
 يوم احتلّت القوات الأمريكية العراق كانت بقيادة الجنرال جي غارنر حتى وصول بول بريمر إلى بغداد في 13 أيار / مايو 2003 الذي تم تعيينه «حاكماً مدنياً» بصلاحيات مطلقة تنفيذية وتشريعية. وكان أول قرار أصدره هو «قانون اجتثاث البعث» ومن ثم قرار «حلّ الجيش العراقي»، واستمرّ بريمر حاكماً بأمره حتى مغادرته في 28 حزيران / يونيو 2004.
 وخلال إدارته صدر «قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية» في 8 آذار / مارس 2004. وكانت مسوّداته الأولى قد وضعها نوح فيلدمان الأمريكي المتعاطف مع «إسرائيل» وعلى الرغم من حداثة تجربته، إلّا أنه قُدّم بصفته «خبيراً ضليعاً» في القانون الدستوري وذلك عشية الاحتلال، وقام بتلغيم بعض مواده السفير بيتر غالبرايت، بعد أن تم هندسة العملية السياسية في مجلس الحكم الانتقالي الذي تأسس وفقاً لصيغة محاصصة طائفية - إثنية ظلّت مهيمنة على الحكم طيلة العشرين عاماً المنصرمة.
 وكان بريمر هو الآخر قد أصدر كتاباً بعنوان «عام قضيته في العراق» عام 2006 كشف فيه عن علاقته بالقوى والجماعات والشخصيات السياسية العراقية، وعبّر فيه عن نظرته الازدرائية الاستعلائية لمن تعامل معهم. ويُعتبر كلا الكتابين بمثابة وثائق أمريكية مهمة تؤرخ للاحتلال الأمريكي للعراق.
 الجدير بالذكر أن زلماي خليل زاد هو ثاني سفير أمريكي للعراق بعد جون نيغربونتي الذي يُعتبر أول سفير بعد إطاحة نظام صدام حسين. واستمرّت الفترة التي قضاها في بغداد حوالي عامين، حاول فيها إرساء العملية السياسية وفقاً لاستراتيجية واشنطن التي اعتمدت على تقسيمات ثلاثية للمجتمع العراقي (الشيعة والسنّة والأكراد) لتعويم هويّته الوطنية، خصوصاً وأنه كان يعرف الشخصيات التي تولّت الحكم في العراق جيداً وأدوار كلّ منها ومواقفها. وعلى الرغم من تضاريس المقاومة الوعرة التي واجهها، إلّا أنه تصرّف بشكل لا يختلف عن بريمر، بل كان استمراراً له وانطلاقاً من عنوان موقعه الوظيفي والسياسي، فواشنطن هي عرّاب العملية السياسية التي صنعتها وفقاً لمقاسها ومصالحها دون مراعاة لمشاعر العراقيين ومعاناتهم من الاحتلال.
 واعترف زاد في كتابه الذي صدر عام 2016 بعدم مبالاة الإدارة الأمريكية بما حصل في العراق، خصوصاً التطهير الطائفي الذي أعقب تفجير مقام الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء، والذي قاد إلى فتنة طائفية عاصفة راح ضحيّتها عشرات الآلاف من البشر، حيث كان القتل على الهويّة.
 يؤرّخ كتاب «المبعوث» تاريخ الانحطاط السياسي في العراق، لاسيّما للنخب الحاكمة التي تعاملت مع زاد من موقع أدنى بما فيها نقل بعض الوشايات والمشاغبات والتحريض ضدّ بعضها بعضاً وضدّ «الحلفاء»، ناهيك عن التملّق والتزلّف.
 كما يلفت النظر إلى حقيقة كانت محلّ تساؤل بشأن إدارة بوش (وما أعقبها) تلك التي تتبنّى سياسة متناقضة، فهي تهاجم إيران علناً وترفض الحوار معها، ولكنها تغضّ الطرف عن نشاطاتها في العراق. كما يستعرض زاد دوره في دعم «الشيعة العرب» ليكونوا بديلاً عن النفوذ الإيراني لخلق حالة من التوازن بالمصالحة مع السنّة.
 وبغضّ النظر عن حقيقة ما دوّنه من أحاديث ومعلومات ومدى صدقيتها، إلّا أن المعنيين الذين وردت أسماؤهم لم يُبدوا أي رد فعل أو تعديل أو تصحيح أو تصويب أو تكذيب لما كتبه، والغريب في الأمر أن الصمت كان سيّد الموقف مع كتاب بول بريمر الذي انعقدت ألسن الجميع إزاءه وكأنه شيئًا لم يكن، في حين ظلّ العراق ينزف منذ 20 عاماً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4htk3ucs

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"