«هزيمة روسيا»

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بكل بساطة.. أعلن أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، خلال زيارته السرية التي قام بها قبل أيام إلى كييف واجتماعه إلى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، أن «أولوية الحلف تتمثل بضمان تغلب أوكرانيا في الحرب على روسيا، وتزويدها بما تحتاج إليه لتحقيق ذلك»، أو بعبارة أوضح «هزيمة روسيا».

 مثل هذا الكلام ليس جديداً، فقد ردده أكثر من مسؤول أمريكي، ومن بينهم وزير الدفاع لويد أوستن الذي قال كلاماً مشابهاً، بأن الولايات المتحدة وحلفاءها «لن يسمحوا لبوتين بهزيمة أوكرانيا».

 هذا الكلام يعني أن المدد العسكري الغربي لأوكرانيا لن يتوقف، وأن الحرب ستأخذ مداها، بانتظار أن يحقق حلف الأطلسي هدفه، ما دامت أوكرانيا موافقة على استخدامها مطيّة لتحقيق الأهداف الأمريكية، لكن هل يستطيع الغرب من خلال أوكرانيا هزيمة روسيا فعلاً؟

 من الواضح أن التفكير الأمريكي والغربي دخل في مرحلة جديدة من المواجهة الاستراتيجية، تعبّر عن جنوح فعلي عن مواجهة مفتوحة مع روسيا والصين معاً، لإدراكه أنه بات يفقد الكثير من أوراق القوة التي تمكّنه من الاحتفاظ بموقع القيادة الدولية، وهو يسعى إلى ذلك باستخدام ما تبقى لديه من أوراق في أوكرانيا وتايوان.

 وفي المقابل، لا يخفى على كل من موسكو وبكين، ما يعده الغرب من خطط لوضعهما في حالة الدفاع عن النفس؛ لذلك لجأتا إلى تعزيز تحالفهما الاستراتيجي في مختلف الميادين، ومن بينها العسكري.

 الخبير والدبلوماسي الأمريكي السابق فيليب ليندرمان حذر في مقالة له نشرت في صحيفة «ذا أميريكان كونسيرفاتيف» من مغبة «المخاطرة بشكل كبير، بهدف تحقيق نصر نهائي على روسيا في النزاع الأوكراني»، لأن مثل هذا التفكير الرغائبي قد يقود إلى كارثة عالمية، الأمر الذي أشار إليه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيفيديف بأن العالم «سيكون على شفا صراع عالمي في حال أرادت الولايات المتحدة هزيمة روسيا»، وهو ما حذر منه أيضاً السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، «إن روسيا حذرت الولايات المتحدة باستمرار من أن مراهنتها على إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، تقود العالم بسرعة إلى سيناريو كارثي».

 الحديث الأمريكي عن هزيمة روسيا فيه شيء من قصر النظر الاستراتيجي، لأنه لا يأخذ في الاعتبار أنها دولة نووية، ثم إنه لا يعتبر من دروس الماضي في حروب كانت أمريكا تخوضها مع دول ليست نووية، وقدراتها العسكرية لا تقاس بتاتاً بقدرات روسيا العسكرية. ففي حرب فيتنام مثلاً التي انتهت عام 1973 خرجت الولايات المتحدة بهزيمة مدوية، مع 57 ألف قتيل، وفي مواجهة حرب عصابات الفيتكونغ، وليس مع دولة ترسانتها تضم أحدث الأسلحة، وأكثرها تطوراً. وكذلك كانت نتيجة حروب أخرى مثل أفغانستان التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، ولم تكن نهاية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أفضل حالاً. 

الحديث الأمريكي عن «هزيمة روسيا» لا يعدو كونه تهويلاً في سياق حرب مستعرة، ولكنه في الوقت نفسه إنذار بأن العالم أمام أزمة متفاقمة، ولا بد من وضع حد لها قبل أن ندفع جميعاً ثمناً باهظاً لتداعياتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2raezkt2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"