شمعة في ليل السودان

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

غاية الهدنة في الحرب أن تكون فسحة تمهد لخفض التصعيد والسماح للمدنيين بالتحرك وتلقي المساعدات الإنسانية والعناية بالضحايا، فضلاً عن منح الجهود الدبلوماسية فرصة لدفع أطراف الصراع إلى التعقل والجنوح إلى السلام، لكن في الحالة السودانية، يبدو أن الهدنات المتعددة كانت مقدمات لعنف أشد ومعارك أكثر شراسة مما سبق، تماماً كما حدث إثر محاولة وقف إطلاق النار الذي امتد أسبوعاً أواخر الشهر الماضي.

هدنة اليوم الواحد، التي سادت نهار أمس، منحت سكان الخرطوم متنفساً نادراً من المعارك، فلم تشهد خروقات كبيرة في ساعاتها الأولى، وأحيت الأمل بتوقف هذا الصراع الذي يقترب من شهره الثالث دون أن يرجّح منتصراً أو منهزماً، وينذر بأزمة طويلة ومعقدة، لاسيما في ظل حالة الاستقطاب الحادة بين طرفي الصراع وتمدد المعارك إلى جبهات جديدة كانت بعيدة عن ساحة المعارك. وقد أسفرت هذه التطورات المسلحة عن مأساة إنسانية تكبر كل يوم، وتدمير واسع لمقدرات الدولة السودانية، إضافة إلى سفك الدماء بين أبناء الوطن الواحد. هذه الفتنة التي لم يألفها السودان، أصبحت كابوساً مزعجاً ومثيراً للفزع، ليس للسودان فحسب، بل للمنطقة كلها، لأن التداعيات ستكون فوق الاحتمال إذا لم تتوف الأعمال العدائية الآن وفوراً، لاسيما أن التجارب المشابهة في الماضي القريب أفضت إلى دول فاشلة وشعوب مشردة ومستقبل بلا أفق.

غالبية السودانيين والوسطاء الدوليين يطمحون إلى إنهاء هذه الحرب اللعينة في أسرع وقت حتى يتمكن اللاجئون والنازحون من العودة إلى ديارهم خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور، والأسمى من ذلك حماية السودان من شرور الفتنة والاستهداف المتعدد النوايا من أطراف داخلية أو خارجية. ففي أقل من ثلاثة أشهر بات نصف الشعب السوداني، الذي يعد 45 مليون نسمة، بحاجة إلى الدعم، والنصف الثاني قد لا تتوافر له العوامل للصمود إذا طال الصراع وتعددت جبهاته وميادينه. ومما يؤلم أن الشهادات عن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، ولاسيما النساء والأطفال، باتت حديث القاصي والداني. وهذه مؤشرات ستكون أشبه بالوقود المسكوب على نار هذه الفتنة الخبيثة.

هدنة اليوم الواحد، أشبه بشمعة في ليل بهيم، وقد يشجع الالتزام بها على تمديدها أو العمل على صياغة اتفاق جديد لفترة أطول، تمهيداً لإنهاء القتال تماماً، بما يمكن من تجنيب السودان المصير الأسوأ الذي تبدو مؤشراته تتجه إلى انفلات واسع تصعب السيطرة عليه. ومن السيناريوهات المرعبة أن يمتد القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى ولايات وأقاليم ما تزال هادئة وبعيدة نسبياً عن الاستقطاب، لكنها أشبه ببراميل بارود تنتظر فتيل النار.

السودان في خطر ووحدته وسيادته مهددة، وعلى من بأيديهم زمام الأمر أن يترفعوا عن كل الخلافات، وأن يخمدوا هذه الفتنة الشريرة في أسرع وقت، فما يحدث لم يكن في دائرة التوقع قبل اندلاع هذه الأزمة، أما وقد بدأ فإن العواقب ستكون مدمرة ولا خير فيها ولن تسفر عن منتصر ومهزوم لأن الكل سواء. وحتى إن حدث، فأي غنيمة لمنتصر إذا ضاع الوطن؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m43w275b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"