أطلقت العديد من الحكومات حول العالم، بما في ذلك حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، مبادرات شاملة تركز على تحسين رفاهية وجودة حياة مواطنيها ومقيميها. تشمل الخطط الاستراتيجية مثل مئوية الإمارات 2071 والاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031 عدة محاور، منها التعليم والرعاية الصحية والنقل والسلامة العامة ومقاومة التغيرات المناخية، كجزء من نهج شامل يأخذ في الاعتبار تأثير جميع هذه العوامل على جودة الحياة العامة للمواطنين والمقيمين. أصبحت الحكومات اليوم تختار الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد ليكون المحرّك الدافع لتحقيق هذه المشاريع.
يتم بالفعل تطبيق قدرات الذكاء الاصطناعي التحويلية في العديد من مجالات الخدمات العامة، مثل السلامة العامة والرعاية الصحية. يمكن لحلول الذكاء الاصطناعي أن توفر لصُنّاع القرار نظرة استراتيجية وتحليلاً أعمق للحالة العامة للأفراد وبيئاتهم ليكونوا قادرين على فهم رضا المواطنين وسعادتهم. تستطيع تحليلات الذكاء الاصطناعي المتقدمة تزويد قادة الحكومات بأفكار قابلة للتنفيذ وأدوات أساسية لاتخاذ القرارات المستنيرة، مما يسهل صياغة السياسات القائمة على الأدلة وتتبع التقدم بناءً على الأهداف المحددة مسبقاً.
يُعتبر مجال المدن الذكية أحد أكثر التطبيقات الواعدة للذكاء الاصطناعي، ومن أبرز المبادرات في هذا المجال هيخطة أبوظبي 2030 ومؤشر السعادة في دبي. تُظهر مثل هذه المشاريع كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة في بناء بيئات حضرية تركز على تلبية متطلبات الأفراد وتساعد في قياس مستوى الرضا والذي يُمكّن بدوره إجراء التحسينات للارتقاء بجودة الحياة والاستدامة والصحة العامة.
تشهد السلامة والأمن، وهما ركيزتان أساسيتان لجودة الحياة، تطورات كبيرة من خلال المراقبة المدعمة بالذكاء الاصطناعي. يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات من مجموعة متنوعة من المصادر للكشف عن الحالات الغريبة والتدخل السريع في الوقت المناسب. يعزز هذا النهج الاستباقي السلامة العامة ويُسهم أيضاً في نشر الشعور العام بالرفاهية داخل المجتمعات.
كما يمكن للنقل، وهو عنصر بالغ الأهمية في البنية التحتية الحضرية، أن يستفيد بشكل كبير من تكامل الذكاء الاصطناعي، حيث تتمتع التحليلات التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والمراقبة في الوقت الحقيقي بالقدرة على تحسين تدفق حركة المرور وتخفيف الازدحام وتحسين كفاءة النقل العام. علاوةً على ذلك، تسهم تدابير السلامة المدعمة بالذكاء الاصطناعي في توفير طرق أكثر أماناً وتقليل تلوث الهواء وتقديم تجارب تنقل أكثر سلاسة للمواطنين والمقيمين والسياح على حد سواء، مما يؤدي إلى تحقيق السعادة العامة.
في مجال الرعاية الصحية، يمكننا أن نرى الإمكانات التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي حيث يُحدث ثورة في رعاية المرضى ويلعب دور محوري في تقديم التشخيص المخصص وتحسين العلاج وحلول التطبيب عن بُعد والرعاية الاستباقية. تمتلك المنصات القائمة على الذكاء الاصطناعي القدرة على تحليل البيانات الطبية بسرعة ودقة غير مسبوقة، مما يؤدي إلى تشخيصات أكثر دقة وخطط علاجية مخصصة ونتائج صحية أفضل للمرضى. يلعب الذكاء الاصطناعي أيضاً دوراً متزايد الأهمية في برامج الصحة العامة والتحليل واسع النطاق للاتجاهات الصحية ومكافحة الأمراض والاستجابة لها.
بالنظر إلى المستقبل، نرى أنّ إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة لا حدود لها. يمكننا أن نتوقع مع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي المزيد من الابتكارات في مجالات مثل الاستدامة البيئية والاستجابة للكوارث والتمكين الاقتصادي والاندماج الاجتماعي. مع ذلك، يتطلب تحقيق هذه الإمكانات توحيد الجهود والتعاون والابتكار ليس فقط من قِبَل الحكومات، بل من جانب جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الشركات والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني بشكل عام.
من خلال تبني الابتكار وتعزيز التعاون وإعطاء الأولوية للشمولية، ستتمكن الهيئات الإدارية من استغلال قدرات الذكاء الاصطناعي كركيزة للتنمية المستدامة. يمكن للذكاء الاصطناعي من خلال توحيد الجهود بين الأطراف المعنية، أن يصبح الممكّن الاستراتيجي للتنمية المستدامة، وستتمكن الحكومات من فتح أبواب جديدة للنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وفي نهاية المطاف، كسب رضا الناس وتحسين جودة الحياة
