يعد الأمن السيبراني قضية معقدة تتجاوز حماية الأنظمة الرقمية لتشمل تأثيرات اجتماعية وثقافية وسياسية واسعة النطاق. ومع تزايد التهديدات السيبرانية والتكنولوجيا المتقدمة، أصبحت الحاجة ملحة إلى فهم أعمق لكيفية تأثير هذه القضايا على الأفراد والمجتمعات، خاصة في سياقات تبرز فيها الفروق الجندرية والجغرافية والاقتصادية.
يأتي كتاب «رؤى نقدية في الأمن السيبراني: مقاربات نسوية وما بعد الاستعمارية»، من تحرير أنوار محاجنة وألكسيس هينشو، ليقدّم مجموعة من المقالات التي تستعرض قضايا الأمن السيبراني.
يُركز الكتاب على أهمية النظر إلى الأمن السيبراني ليس فقط من زاوية حماية الدول والبنية التحتية، بل أيضاً من منظور إنساني يأخذ بعين الاعتبار تأثيرات السياسات السيبرانية على الأفراد والمجتمعات، مشيراً إلى أن التركيز فقط على العسكرة وتحويل الفضاء السيبراني إلى ميدان حرب يتجاهل التأثيرات الكبيرة على حقوق الإنسان، بما في ذلك قضايا مثل المراقبة المفرطة، وجمع البيانات بشكل مفرط، والجريمة السيبرانية، والتنمر الإلكتروني.
يبرز الكتاب، من خلال مجموعة من الفصول التي أسهم فيها كتّاب من خلفيات متنوعة، كيف يمكن أن تكون السياسات السيبرانية الحالية غير ملائمة للأفراد والمجتمعات، خاصة في دول الجنوب العالمي.
ينقسم الكتاب إلى جزأين رئيسيين، يتناول الأول قضايا ناشئة في مجال الأمن السيبراني تتعلق بالجنس والجغرافيا والسياسات والممارسات، ويستعرض في الفصل الأول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن في الفضاء السيبراني، مشيراً إلى أن الأمن السيبراني يحتاج إلى النظر فيه من منظور حقوق الإنسان، وخاصة حقوق النساء في المناطق المتأثرة بالنزاعات. فيما يناقش في الفصل الثاني مفهوم «الاستعمار الجديد» في الفضاء السيبراني، ويتطرق إلى الطرق التي تُستخدم بها التكنولوجيا لتعزيز السيطرة الاقتصادية والسياسية في مناطق معينة.
يركّز الجزء الثاني من الكتاب على قضايا الأمن السيبراني والمجتمع في الجنوب العالمي. ويتناول الفصل الثالث وجهات نظر جندرية وما بعد استعمارية حول تسليح البيانات في النزاعات المسلحة، مع التركيز على حالة أفغانستان. ويناقش الفصل الرابع الاستبداد العابر للحدود في الفضاء السيبراني من خلال دراسة حالة الأويغور، مع تحليل لكيفية استخدام التكنولوجيا لأغراض الرقابة والسيطرة.
كما يستعرض الفصل الخامس استخدام العري كوسيلة للمقاومة ضد التنمر الإلكتروني في كينيا، لإبراز الأبعاد الثقافية والاجتماعية لاستخدام التكنولوجيا في المجتمعات المختلفة. ويعاين في الفصل السادس، تطبيق القانون الدولي الإنساني على الاستراتيجيات السيبرانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ليثير التساؤلات حول مدى توافق هذه الاستراتيجيات مع المعايير الدولية، فيما يركز الفصل السابع على بناء القدرات والأمن السيبراني في أمريكا اللاتينية، مشيراً إلى التأثيرات الجيوسياسية والمراقبة والمعلومات المضللة في المنطقة.
يختتم الكتاب بفصل ختامي يربط بين الفصول المختلفة، ويقدم خلاصة للتحديات والفرص في مجال الأمن السيبراني من منظور عالمي.
يعرض الكتاب قضايا معقدة تتعلق بالسياسات السيبرانية وتأثيراتها في المجتمعات المختلفة، ويمكن أن نعتبره مرجعاً مهماً لدراسة الأمن السيبراني من منظور غير تقليدي، يتناول الأبعاد الإنسانية والاجتماعية بعمق، ويفتح المجال للنقاش حول كيفية تطوير سياسات سيبرانية أكثر شمولاً وإنسانية، وتتكامل فيه النظريات النسوية وما بعد الاستعمارية لتحليل القضايا المعاصرة في هذا المجال.