الدستور الأمريكي.. هل حان وقت التغيير؟

لا ديمقراطية تدوم إلى الأبد
01:38 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 5 دقائق
1

عن المؤلف

الصورة
إروين شيميرينسكي
إروين شيميرينسكي
عميد كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وأستاذ القانون المتميز.
ألّف 12 كتاباً، وأكثر من 250 مقالاً في المجلات القانونية.

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الديمقراطية الأمريكية، تتصاعد الدعوات لإعادة تقييم الدستور الذي وُضع قبل أكثر من قرنين، حيث تسلط التغيرات السكانية والسياسية الضوء على عيوب هيكلية أثرت في المبادئ الديمقراطية، مثل نظام المجمع الانتخابي والنفوذ المتزايد للمحكمة العليا، وتشير إلى ضرورة ملحّة لتحديثها لتتوافق مع متطلبات المجتمع الأمريكي الحديث، وتضمن مستقبلاً عادلاً.

في كتابه الجديد «لا ديمقراطية تدوم إلى الأبد: كيف يهدد الدستور الولايات المتحدة»، يقدم إروين شيميرينسكي، عميد كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وأحد أبرز الخبراء القانونيين في أمريكا، تحليلاً مثيراً للجدل حول الدستور الأمريكي، حيث يقترح إعادة كتابة كاملة للدستور، بهدف معالجة العيوب الأساسية التي يعتقد أنها تهدد مستقبل الديمقراطية الأمريكية.

1

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، يبدأ الجزء الأول بمناقشة الأزمة الحالية التي تواجه الديمقراطية الأمريكية، مسلطاً الضوء على التحديات والتهديدات التي تعيق استمراريتها.

وفي الجزء الثاني، يستعرض الكاتب كيف أصبح الدستور نفسه تهديداً للديمقراطية على مدى عقود، حيث يشير إلى تأثير التغيرات السكانية والسياسية منذ الستينيات، وازدياد مناهضة مجلس الشيوخ للديمقراطية في السبعينيات، وتفاقم التقسيم الحزبي في الثمانينيات، وصولاً إلى تأثير المحكمة العليا والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في العقود الأخيرة. ويتناول الجزء الثالث، الخيارات المتاحة لإنقاذ الولايات المتحدة، بدءاً من الإجراءات الممكنة، من دون تغيير الدستور، مروراً بإمكانية إصلاحه، وحتى التساؤل حول الحاجة لدستور جديد.

أزمة دستورية خطرة

ما يميز طرح شيميرينسكي هو اقتراحه الجريء لعقد مؤتمر دستوري جديد لإعادة كتابة الدستور بالكامل، معتبراً أن الدستور الحالي، الذي صيغ في عام 1787، كان بمثابة خطوة ضرورية حينها لاستبدال «وثائق الكونفدرالية» التي كانت قاصرة عن تلبية احتياجات الدولة الناشئة.

يشبّه شيميرينسكي الوضع الراهن بتلك الفترة، حيث يشير إلى أن الانقسامات السياسية والاجتماعية الحالية في الولايات المتحدة، قد تكون بمثابة دعوة لإعادة التفكير في الأسس الدستورية التي بنيت عليها الدولة، مع التأكيد على الحاجة إلى حكومة أكثر توافقاً مع تحديات العصر الحديث.

يقول المؤلف: «الدستور الأمريكي، الذي أنشأ حكومة ناجحة لوقت طويل، الآن يهدد بنفسه الديمقراطية الأمريكية. في العشرينيات من القرن الواحد والعشرين، ثقة الأمريكيين في جميع فروع الحكومة الفيدرالية، هي بحق، في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وتبدو الحكومة، بكل المقاييس، غير فعّالة بشكل متزايد، وثمة قلة تعتقد أن لديها القدرة على التعامل مع القضايا الملحّة، مثل تغيّر المناخ، التي تهدد مجتمعنا والعالم.

الولايات المتحدة أكثر انقساماً سياسياً الآن، مما كانت عليه في أي وقت منذ إعادة الإعمار، وبدأ الكثير يتساءلون عمّا إذا كان ما يوحدنا كدولة أكبر مما يفرّقنا، وعلى الرغم من أن ديمقراطيتنا تواجه شعوراً واسع النطاق بالأزمة، إلا أن معظم الأمريكيين لا يدركون إلى أي مدى يعتبر الدستور نفسه مسؤولاً. في الواقع، كان للدستور عيوب خطرة منذ البداية نتيجة للتسويات التي تم التوصل إليها لتمريره. وبعض هذه العيوب، مثل كيفية تعامله مع قضية العرق، طاردت الأمة طوال تاريخها».

يتجاوز شيميرينسكي في تحليله الدعوة إلى مجرد إصلاحات دستورية؛ فهو يثير مخاوف حقيقية حول إمكانية الانفصال إذا لم تحدث تغييرات جذرية، ويؤكد أن الانقسامات الحالية قد تكون أكبر من أن تُحَلَّ بوسائل سياسية تقليدية، محذراً من أن الفشل في معالجة هذه العيوب قد يؤدي إلى أزمة دستورية خطرة، تهدّد بقاء الولايات المتحدة ككيان سياسي موحد.

يقول الكاتب: «إن توقيرنا للدستور قد منعنا من رؤية مدى كونه قد أصبح جذر المشكلة، نحن نمدحه بإفراط، وبعض الإنجيليين حتى يدّعون أنه كان مستوحى من الإله. هذا التوقير، مع ذلك، يأتي بكلفة كبيرة. لفترة طويلة، تجاهلنا، أو على الأقل، قبلنا عيوب الدستور الخطرة، بطرق عدة، الحكومة التي أعطانا إياها الدستور لا تعمل، وقد فقدت ثقة جزء كبير من الشعب الأمريكي.

لعب الدستور دوراً في خلق مجتمع يتميز بعدم المساواة الواضحة، بخاصة على أسس العَرق، والطبقة، إن وجوده كوثيقة توجيهية غير متغيرة إلى حد كبير قد أصبح كالمطرقة الثقيلة التي تستخدمها الأقلية لدعم نظام يولد الاستقطاب، ويزيد من الانقسام الوطني، لا عجب أن مؤيديه يدافعون عنه بقوة، نظراً لخوفهم مما قد يخسرونه».

دعوة لصياغة دستور جديد

يرى شيميرينسكي أنه «على الرغم من هذه المشاكل، فإن الوضع ليس ميؤوساً منه. من الممكن، والضروري، معالجة العيوب وإنقاذ الديمقراطية الأمريكية. يمكن إجراء العديد من التغييرات المهمة من دون تعديل دستوري، كما يمكن لمجلس الشيوخ تغيير قواعده للقضاء على التعطيل. ويمكن للكونغرس، عن طريق التشريع، إنهاء التلاعب الحزبي بتقسيم الدوائر لمقاعد مجلس النواب، ويمكن للمحكمة العليا إنهاء التلاعب الحزبي بشكل كامل، إضافة إلى زيادة حجم مجلس النواب لجعله أكثر ديمقراطية.

يمكن للكونغرس إنشاء حدود زمنية لقضاة المحاكم الفيدرالية، ويمكنه إصدار تشريعات جديدة لحماية حقوق التصويت، كما بالإمكان تعديل الدستور أيضاً عند الضرورة. صحيح أن تعديل الدستور صعب للغاية، لكنه ليس مستحيلاً.

فعلياً، يمكن إصلاح كل خلل في الوثيقة عن طريق تعديل دستوري، إذا كان لدينا الإرادة للقيام بذلك. وباستثناء تخصيص عضوين من مجلس الشيوخ لكل ولاية، والذي لا يمكن تعديله، يمكن حل كل مشكلة أخرى في الدستور، بما في ذلك تفسير المحكمة العليا له، من خلال التعديلات، وعلى الرغم من أن التعديلات كانت نادرة في العقود الأخيرة، إلا أنها كانت أكثر شيوعاً، في أوقات أخرى من التاريخ الأمريكي، فقد أقرت البلاد من 1913 إلى 1920، أربعة تعديلات: السماح بفرض ضريبة الدخل، إنشاء انتخاب شعبي لأعضاء مجلس الشيوخ، منح النساء حق التصويت، وفرض حظر الكحول. شعورنا بالأزمة والحاجة الحقيقية لتغيير الدستور قد يفتح الباب مرة أخرى للتعديلات».

يقول الكاتب أيضاً: «بعد فترة من التعديلات المنفصلة، من الضروري، بعد مئتي عام، أن يبدأ الأمريكيون بالتفكير في صياغة دستور جديد لإنشاء حكومة أكثر فعالية، وديمقراطية.

من غير المعقول استخدام وثيقة كتبت لدولة صغيرة، وفقيرة، وغير مؤثرة نسبياً، في أواخر القرن الثامن عشر لحكم دولة كبيرة ذات ثروة هائلة في العالم التكنولوجي للقرن الحادي والعشرين. يجب أن نبدأ بالتفكير في صياغة وثيقة حكومية جديدة تحافظ على قوة الدستور الحالي، لكنها في الوقت نفسه تصلح عيوبه الواضحة».

وعلى الرغم من النبرة القاتمة في كثير من أجزاء الكتاب، إلا أن شيميرينسكي يحدوه الأمل، عندما يستعرض حالات تاريخية نجحت فيها الولايات المتحدة في التغلب على انقسامات حادة، مثل الحرب الأهلية والكساد الكبير، ليشير إلى أن هناك دائماً فرصة للتغيير والإصلاح.

يُعتبر الكتاب من بين أكثر الكتب التي أثارت النقاش في الآونة الأخيرة، لدعوته الأمريكيين للتفكير، بجدية، في العيوب الدستورية التي قد تهدّد مستقبل الديمقراطية، ويقدم رؤية جديدة وجريئة لإعادة بناء الديمقراطية الأمريكية بما يتناسب مع تطلعات الحاضر، والمستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/3hkz7xez

كتب مشابهة

1
بروس غريغوري
4
محمد جلال الريسي
1
سابرينا كريم ودانيال هيل
1
ميرسيدس تارجا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
مارينا غارسيس
1
أنوار محاجنة وألكسيس هينشو
1
بيتر أبس
بايدن وزيلنسكي في كييف
هال براندز
ترامب
روبرت كاغان