عن المؤلف
*دانيال دبليو: أستاذ مشارك في الشؤون الدولية بجامعة جورجيا. يركز في أبحاثه على الصراع السياسي العنيف، وحقوق الإنسان، والمنظمات الدولية والقانون.
يؤثر وضع المرأة بشكل كبير في استقرار المجتمعات والعنف السياسي؛ فعندما تحصل النساء على حقوقهنّ، ويشاركن بشكل فعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية، يمكن أن يسهم ذلك في تقليل احتمالات النزاعات والصراعات.في المقابل، قد يؤدي تهميش المرأة والقيود المفروضة على حقوقها إلى تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية، ما يعزز فرص اندلاع العنف وعدم الاستقرار.
يسعى كتاب «تحديد وضع المرأة في دراسات الصراع: كيف يؤثر وضع المرأة في العنف السياسي» للباحثين سابرينا كريم ودانيال هيل، إلى إعادة النظر في الأدبيات الحالية حول الجندر والصراع السياسي، ويوضح أن التداخل بين مفاهيم المساواة بين الجنسين ووضع المرأة قد أعاق التقدم في دراسة تأثير هذه العوامل في العنف السياسي.
يمتاز الكتاب بتقديم إطار جديد لدراسة وضع المرأة في حالات السلام والصراع، مع تجنب الخلط بين مفاهيم المساواة بين الجنسين، ومفاهيم أخرى مثل حقوق المرأة، أو إدماجها السياسي، وهذا التفريق ضروري لفهم أكثر دقة للعلاقة بين وضع المرأة، وأشكال العنف السياسي المختلفة، حيث يسعى المؤلفان إلى تسليط الضوء على الاختلافات بين المساواة بين الجنسين ووضع المرأة، وكيفية تأثير هذا الوضع في العنف في المجتمعات.
يقدم الكتاب أربعة مفاهيم رئيسية ترتبط بالمرأة: إدماجها، حقوقها، الأذى الذي تتعرض له، والمعتقدات حول أدوارها الاجتماعية. ويعتمد المؤلفان على بيانات عابرة للدول لقياس كل مفهوم بشكل منفصل، ودراسة تأثيره في العنف السياسي، ومن خلال هذه الأطر المفاهيمية، يحلل الكتاب كيف يؤثر وضع المرأة على اندلاع الحروب بين الدول، والصراعات الداخلية، والقمع الحكومي، والإرهاب.
المساواة الجندرية
يتميز الكتاب بتركيبه المنهجي القائم على فصلين رئيسيين؛ الأول يناقش التحديات المفاهيمية المتعلقة بالجندر، بينما يتناول الثاني العلاقة بين وضع المرأة وأشكال العنف السياسي.
يبدأ الكتاب بمقدمة توضح هدفه المتمثل في تقديم إطار جديد لفهم العلاقة بين وضع المرأة والعنف السياسي، بعيداً عن التداخلات التقليدية بين مفاهيم المساواة بين الجنسين، وحقوق المرأة. يقول المؤلفان: «في 6 مارس 2023، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن عقوداً من التقدم العالمي في وضع المرأة تتلاشى أمام أعيننا»، وخلال كلمته أمام لجنة وضع المرأة في نيويورك، قدم أمثلة على التراجع العالمي في وضع النساء والفتيات، بما في ذلك محو النساء من الحياة العامة في أفغانستان، والتراجع في الصحة الإنجابية في العديد من البلدان، وخطف وقتل الفتيات.
يضيف المؤلفان: «الأمين العام لا يبالغ بالضرورة في تصريحه. فقد تباطأ، أو توقف، أو حتى انعكس التقدم في تحسين وضع المرأة عالمياً. على سبيل المثال، زادت جائحة «كورونا» من تفاقم أوضاع النساء حول العالم. ارتفع مستوى العنف المنزلي، وزاد انعدام الأمان الوظيفي للنساء، وتراجعت فرص الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وتراجعت معدلات التحاق الفتيات بالمدارس.
تقول الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامارد، إن «الأحداث في عامي 2021 و2022 اجتمعت لتقوض حقوق وكرامة ملايين النساء والفتيات. الأزمات العالمية لا تمس الجميع بنفس الدرجة، وبالتأكيد لا تؤثر بشكل عادل، ورغم أن التأثيرات غير المتكافئة في النساء والفتيات موثقة بشكل جيد، فإنها ما زالت تتعرض للتهميش، أو تُغفل تماماً، ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على الجائحة في هذه الاتجاهات، فقد كانت هناك تراجعات حكومية في حقوق النساء في جميع أنحاء العالم، بعضها سبق الجائحة. لم تتحسن أجور النساء منذ الركود في 2008؛ والفجوة في الأجور بين الجنسين ما زالت ثابتة منذ أوائل العقد الأول من القرن ال 21؛ ولا تزال فرص النساء في الحصول على الحقوق الإنجابية والوصول إلى العدالة محدودة».
يشير المؤلفان إلى أن تأثير هذه التغييرات في حياة النساء والفتيات هائل، فالقيود المفروضة على حقوق المرأة قد تزيد من العنف ضد النساء، وتزيد من معدلات الوفيات والأمراض، ومع تزايد الاعتقاد بأن النساء يجب أن يبقين في المنزل، وأن دورهنّ يجب أن يكون في المجال الخاص، تتدهور حياة الملايين، وربما المليارات، من النساء والفتيات. لكن الضرر الناجم عن الركود أو التراجع في وضع المرأة قد يشكل تهديداً أكبر في إطلاق مزيد من العنف السياسي حول العالم. بشكل أكثر تحديداً، قد يكون تدهور وضع المرأة عالمياً، نذيراً لمزيد من الصراعات المدنية، والإرهاب، والحروب بين الدول، والقمع الحكومي. وتشير مجموعة كبيرة من الأدبيات في العلوم السياسية إلى أن وضع المرأة يرتبط بحدوث جميع أنواع العنف السياسي.
ويؤكد المؤلفان أنه يجب أن نتغلب على مشكلتين جعلتا من الصعب إثبات هذه العلاقات في الماضي. فمعظم الأدبيات الأكاديمية وصناعة السياسات تقترح علاقة بين «عدم المساواة الجندرية» والصراع. استخدام مصطلح (عدم) المساواة الجندرية كعبارة شاملة لقياس مختلف جوانب وضع المرأة يعيق الباحثين عن تطوير إجراءات قياس دقيقة ومحددة لوضع المرأة. إضافة إلى ذلك، يمنع الباحثين من قياس المفاهيم المختلفة بشكل صحيح، وبالتالي يحول دون فهم العلاقات الفعلية.
وضع المرأة والعنف السياسي
في الجزء الأول بعنوان من «المساواة الجندرية إلى وضع المرأة» يقدم المؤلفان فصلين، يعالج الأول حل مشكلة توسع المفهوم، ومسألة التداخل المفاهيمي بين المساواة بين الجنسين ووضع المرأة، وهو أمر كان يعيق تحليل العلاقات بين وضع المرأة والعنف السياسي. ويقدم المؤلفان حلاً لهذه المشكلة من خلال تحديد واضح للفروق بين هذه المفاهيم، فيما الفصل الثاني يناقش «حل مشكلة عدم دقة القياس»، والذي يركز على تحديات قياس وضع المرأة.
يتكوّن الجزء الثاني «وضع المرأة والعنف السياسي» من أربعة فصول، يركز المؤلفان في «إدماج المرأة والعنف السياسي»، على استعراض العلاقة بين إدماج المرأة في الحياة العامة والعنف السياسي، كما يناقشان كيفية مشاركة المرأة في السياسة وتأثيرها في احتمالية وقوع الصراعات، أو الحد منها. ويركز المؤلفان في الفصل الرابع «حقوق المرأة والعنف السياسي»، على حقوق المرأة وكيفية تأثير هذه الحقوق في العنف السياسي، ويشير الكتاب إلى أن مستوى حقوق المرأة يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في تشكيل الديناميكيات السياسية في الدول، سواء من حيث اندلاع الصراعات، أو استقرارها.
ويطرحان في الفصل الخامس «الأذى الموجه ضد المرأة والعنف السياسي«، موضوع الأذى الموجه ضد المرأة كعامل مؤثر في العنف السياسي. ويناقش الكتاب كيف يمكن أن يؤدي العنف الموجه ضد النساء إلى زيادة التوترات السياسية، أو اندلاع النزاعات.
ويستعرض الفصل السادس «المعتقدات حول أدوار المرأة الجندرية والعنف السياسي»، كيف تؤثر المعتقدات الثقافية والاجتماعية حول دور المرأة في احتمالية العنف السياسي. وظهر الكتاب أن هذه المعتقدات، التي تختلف من مجتمع لآخر، يمكن أن تؤدي إلى تصاعد العنف، أو تهدئته.
في الختام، من المؤكد أن هذا العمل يمثل إضافة مهمة في فهم العلاقة بين الجندر والصراعات السياسية، ويقدم أطراً مفيدة لدراسة تأثير وضع المرأة في الاستقرار السياسي في مختلف الدول.