لحظة حرجة في المنطقة

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين
2

منذ ما يقرب من عام والمنطقة تقف على خيط دقيق بين جهود التهدئة ونوازع التصعيد، مع اتساع المخاوف من الانجرار إلى الأسوأ. فبعد تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ها هي كرة اللهب تمتد إلى لبنان، وما حدث خلال الساعات الأخيرة من غارات عنيفة وغير مسبوقة، وتأكيد مقتل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، فإن الوضع بدأ يخرج عن السيطرة ويتجه نحو المجهول.

على مدار عام كامل لم تفلح الجهود الدبلوماسية في كبح التصعيد، وقد شهدت هذه الفترة لحظات حرجة، وبالكاد تم تجاوزها، مع تفاؤل حذر بأن مساعي التهدئة ستتغلب على كل الصعاب والمعوقات، لكن ما حملته الساعات الأخيرة ربما يشير إلى عكس ذلك تماماً، ويدفع إلى مزيد من الاشتباك الإقليمي واتساع المأساة الإنسانية وتفاقم الخسائر البشرية والاقتصادية على جميع الجبهات.

وعندما يتم التحذير من أن التصعيد الشامل في المنطقة سيؤذي جميع الأطراف، فهذا نابع من قراءة واعية للوضع الإقليمي والمشهد الدولي المنقسم والمأزوم، وتبعاً لذلك فإن مثل هذه الظروف تتطلب كثيراً من التبصر والحذر، والرهان الأسلم يبقى على التهدئة لا التصعيد، والسعي للحفاظ على مكاسب شعوب المنطقة، وحقها المشروع في الاستقرار والأمن والتنمية وتأمين مستقبل الأجيال المقبلة.

كل العالم مقتنع بأن ضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يمر عبر تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وقد أصبحت هذه المطالب ملحة بعد الحرب على غزة التي أعادت الزخم للقضية الفلسطينية وأكسبتها مزيداً من التعاطف والاعتراف الدوليين، لكن إسرائيل بدلاً من أن تجنح إلى التهدئة تتجاهل كل النداءات والدعوات المطالبة بإنهاء المأساة الإنسانية في غزة ووقف العدوان على الضفة الغربية ولبنان، ربما لأن السياسة المتطرفة التي تنفذها حكومتها تزين لها أن هذا النهج هو الذي سيحقق لها الأمن والبقاء، بينما تجربة العقود الماضية تثبت أن كل فعل سيستدعي رد فعل، وأن الاحتكام إلى القوة والغطرسة لا يمثل ضماناً للانتصار وفرض الإرادة على شعوب المنطقة، وإنما سيؤدي إلى خلق بيئة متوترة تتوارثها الأجيال وتحول دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى.

بعد عام من بدء الحرب على غزة، بدأ التصعيد في لبنان، ولا يتبين في الأفق إلى أي مدى ستمضي هذه الدوامة المجنونة من العنف، كما لا تبدو هناك مؤشرات حقيقية للتهدئة ولا ضغوط دولية فاعلة يمكن أن تساعد في لجم التوتر وحماية المنطقة من مصير محفوف بالمخاطر والتهديدات، وإزاء هذا الوضع المأزوم أصبح من الضروري العمل على إنقاذ ما يجب إنقاذه، ويتطلب الأمر وقفة دولية حازمة عبر مجلس الأمن الذي يجب عليه تجاوز انقساماته، وأن من يخشى من أعضائه اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط عليه أن يتحرك الآن قبل فوات الأوان، فالوضع لم يعد يحتمل عدم الاكتراث، بل يجب إنهاء هذه الدوامة فوراً لمصلحة المنطقة والعالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25hns2ca

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"