القاهرة: «الخليج»
الفلسفة بالتعريف أو كما جاءت في لغة الإغريق هي «حب الحكمة» وهي البحث عن المعرفة في الكون والطبيعة، فالإنسان لا يكتفي بملاحظة الوقائع، وما يدور حوله، بل غالباً يطرح الكثير من التساؤلات ويثير الجدل، ليصل إلى إجابات واضحة ومحددة، وحين يعجز يترك الأسئلة مفتوحة لعلها تلقى إجابات في مرحلة لاحقة.
يزداد ابتعاد البشر عن الفلسفة في العصر الحديث، وربما يقلل البعض من شأنها مع أنها توصف بأنها «أم العلوم» كلها، فهي التي تصوغ الأسئلة الكبرى، وتبحث لها عن إجابات: ما الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله؟ هل الإرادة الحرة موجودة؟ ما الطبيعة النهائية للحقيقة؟ كيف ندرك جوهر شيء ما؟ وغيرها من الأسئلة، بينما تجبرنا طبيعة الحياة في عصر السرعة هذا، على التوجه نحو اليومي والراهن دون التخلي عما هو جوهري وكلي.
يصر «أنطوني ماكغوان» المؤمن بأهمية الفلسفة على إيجاد طريقة سهلة تجعل القارئ يفهم الفلسفة، دون أن يتخلى عن الأسس والضوابط العلمية، من أجل ذلك أعد كتابه «كيف تلقن كلبك الفلسفة؟.. مدخل إلى الأسئلة الكبرى في الفلسفة» (ترجمة متيم الضايع) للبشر وليس للكلاب إلا أنه اختار الكلب في أبحاثه لأسباب كثيرة، تتعلق بالفلسفة ذاتها، فهو أفضل صديق للإنسانية في كلاسيكيات الفلسفة، حيث نجده في «مذهب الكلبيين»، أولئك الفلاسفة الساخرون الذين أظهروا ميلاً لعدم الإيمان بصدق الدوافع والأفعال البشرية وصلاحها، واعتادوا على التعبير عن عدم إيمانهم بالسخرية.
*أهم القضايا
«كيف تلقن كلبك الفلسفة؟» كتاب يطلعك على أهم القضايا الفلسفية منذ بداية الفلسفة حتى نهاية القرن العشرين، بأسلوب شيق ولغة مبسطة، يسهل فهمها حتى وإن كنت من غير المتخصصين في الفلسفة، حيث تبدأ بعض المداخل إلى الفلسفة مع تأملات المفكرين اليونانيين الأوائل في القرن السادس قبل الميلاد، ثم تشق طريقها بالتدريج عبر العصور، حتى تصل إلى ما يمثله الآن.
تعكس المقاربات المتنوعة واقع أن للفلسفة طبيعة هجينة بشكل غير مألوف، ففي الأدب الإنجليزي لا يقرأ تشوسر وشكسبير وجورج إليوت لأهميتهم التاريخية، بل لأن مؤلفاتهم لا تزال أعمالاً فنية نابضة بالحياة، أضف إلى ذلك أن عظمتها لا تكمن في بعض الأفكار، التي يمكن تلخيصها واختصارها، بل في اللغة: المفردات والعبارات والفقرات والحركات الموسيقية الأكثر امتداداً وعمقاً في النصوص.
في المقابل رغم تمتع الرياضيات والفيزياء بتاريخ ساحر، فإنهما موضوعان يمكن تدريسهما دون ذكر الخلفية التاريخية، فلحساب مساحة الدائرة أنت لا تحتاج إلا إلى آلة حاسبة، كما أن لقوانين نيوتن للحركة معنى وأهمية مستقلة عن الكلمات التي عبر بواسطتها عنها، وتجسر الفلسفة الفجوة بين هذين العالمين.
يمكن بالتأكيد مناقشة أفكار أفلاطون وأرسطو وفتجنشتاين، دون حاجة للاقتباس منها، وبهذا المعنى يكونون مثل نيوتن، ومع ذلك فإن مشاكل الفلسفة تكون عصية على الحل، إنها الأخبار التي تبقى أخباراً، لا يزال الفلاسفة المحترفون حتى يومنا هذا منهمكين في فهم أرسطو وديكارت، ولا يزالون يناقشون لوك وبنثام، بطريقة لا يحسب عالم ما أنها تتعارض مع أرخميدس أو كوبر نيكوس، وبذلك فإن تاريخ الفلسفة لن يمحى أبداً، ولن يكون خارج العلاقة.
يقول المؤلف إنه حاول في هذا الكتاب التقاط تلك الطبيعة المهجنة للفلسفة، والشكل الذي تبناه يحفظ الإجلال لتاريخ الموضوع، وقد رتبه في سلسلة (مشاوير تمشية الكلب) التي ترتبط بممارسة أرسطو للتعليم أثناء المشي، وهي العادة التي أعطت مدرسته تسمية «المدرسة المشائية» وخلال هذه الجولات – يقول المؤلف – «سنخوض أنا وكلبي مونتي نقاشاً في المنهج الجدلي لسقراط، والمشكلات المركزية في الفلسفة، مع مراعاة تفرعات الأطر الرئيسية لموضوع البحث».
يقول: منذ 15 ألف سنة، قبل اكتشاف الزراعة، كان البشر والكلاب جنباً إلى جنب في الحياة والموت، وأول دليل قاطع على عيش البشر والكلاب معاً يتأتى من ثلاثة هياكل عظمية من العصر الحجري، عثر عليها في ألمانيا، رجل وكلب صغير وامرأة دفنوا معاً.
مع السير قدماً في الزمن نلمس أن الكلاب نالت وقاراً واحتراماً في معظم الثقافات البشرية، ففي أمريكا ما قبل كولومبوس رأى شعب المايا والأزتيك أن الكلاب خير مرشد، فهي تقود الموتى وتوصلهم إلى عالم الأرواح، ورغم ولع المصريين القدماء بالقطط فإن الكلاب كانت تحنط وتدفن مع أصحابها.
*حروب
في فترة أقرب قليلاً زماناً ومكاناً إلى جذور التقاليد الفلسفية الغربية، كان الفرس مفتونين بالفطنة والاستقامة الخلقية للكلاب، وفي محاكاة غريبة للمايا تكفلت الكلاب الفارسية بحراسة الجسر الذي كان الموتى يسيرون فوقه إلى النعيم، لكنها أيضاً كانت محاربة لا يشق لها غبار في حرب النور طويلة الأمد في مواجهة الظلمة.
في الجمهورية يحاول أفلاطون من بين أشياء أخرى كثيرة تعريف العدالة وتحديد معايير المجتمع المثالي، إن المكون الرئيسي للحكومة المثالية هو طبقة السادة، الجنود – الفلاسفة، الذين يقودون الدولة ويصونونها، ما المواصفات التي سنبحث عنها في هؤلاء الأوصياء؟ يجب أن يكونوا ودودين وخيرين تجاه مواطني المدينة لكنهم قساة وشرسون تجاه أعدائهم.
يتناول المؤلف أشهر الكلاب في الفلسفة خصوصاً لدى الكلبيين الأصليين وهم مجموعة متسكعة من المفكرين الذين ظهروا بينما كان أفلاطون يباشر مشروعه الفلسفي بالغ الاختلاف، عاش الكلبيون ببساطة، يزدرون كل مظاهر الثروة والنجاح الدنيوي، يرتدون الأسمال، وينامون في العراء، يدينون الجشع والنزعة المادية للأغنياء، لم يقدس لديهم ميثاق، ولم ينج تقليد أخلاقي أو ديني من سخريتهم، لكن الكلبية قبل كل شيء كانت أساساً عقيدة مكرسة لتحقيق حياة فاضلة.
https://tinyurl.com/46267x3k