الشارقة: جاكاتي الشيخ
تواصلت مساء أمس الأول الأربعاء في قصر الثقافة بالشارقة فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الـ21، حيث شهد يومه الرابع أمسية شعرية شارك فيها نخبة من الشعراء العرب، هم: إيهاب البشبيشي من مصر، والمنصف المزغني من تونس، ومحمد الأمين النواري من المغرب، وعمار حسن من السودان، وبشائر محمد من السعودية، وعلي الفاعوري من الأردن؛ وقدمّها مفرح الشقيقي من السعودية.
حضر الأمسية عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر، ولفيف من الإعلاميين، وعشاق الشعر الذين استمتعوا بجمال الأساليب الشعرية، والروح الإبداعية المبثوثة في القصائد التي قدمها شعراء الأمسية.
ذاكرة
استهلّ الأمسية إيهاب البشبيشي، الذي قدّم مُطوّلته الرائعة «ذاكرة الغرابيل»، وهي ملحمة محمّلة بالثقل الحضاري العربي، وموغلة في سبر الذات المشتركة السابحة في الأمل، ويقول فيها:
تُهنا وليس بوسعِنا إلا المقاهي الألفُ نَذرعُها لنجمَعَ وَجهَنا منها نُلَمْلِمَ ضحكةً منسيَّةً أو نظرةً مخفيةً تحت المقاعد نسترد زمانَنا المفقودَ من نار النراجيلِ، تُهنا، وبوصلتان حائرتان يا عيني، أنا عيناك كيف سنهتدي بهما وقد –والله- ضيَّعْناهما من قبلُ في دمع المناديلِ، تُهنا ولو صدَّقتُ حُبي فيكِ ما ضلَّتْ خُطايَ وما هَدَتْ عيني أباطيلي إلى أن يقول: فالحواديتِ التي هَرِمَتْ وراعتْ طفلَها ارتَحَلَتْ وجِنِّيَّاتُها هاجرنَ نحو طفولةٍ أخرى تعيش بعالمٍ بكرٍ مُوازٍ آخرٍ وتركنني في الشارع المهزومِ من رئتيهِ إلَّا شهقةً بالكاد تَكفِي كي أقول لصاحبي تُهنا.
المنصف المزغني بأسلوبه الغنائي المعهود، الساعي إلى الاشتباك الانفعالي بالمتلقي، في التأرجح بين العاطفي والعقلاني، حيث يقول في إحدى قصائده: أخفيك أين وأنت فيّ وكلما / جربت وعياً جرّني كي أحلما / بك أنت يا حبّ الجليَّ فحالما / أخرجتُ اسمك من فمي صرخت دِمَا / إني أحبّ مسار اسمك في دمي / وأخاف صوتك في فمي / أنا رُبّما في غفلة من غفوةٍ / صوتي وصوتك في المنام تناومَا / فتحالما وتناغما / بالأغنيات ترنُّما / وتزاحمَا وتراحما وتلاحمَا.
ويقول في قصيدة أخرى بعنوان «امرأة عائدة من الحرب»: أَنَا أُخْتُكُنَّ (أغَني) لكُنَّ أَنا يَا صَبايَا أُخيَّاتُ يا ياسفيراتِ حَوَّاءَ حذَّرْتُكُنَّ مِنَ الحبِّ فالحَرْبُ نارٌ وَنارٌ ونارٌ وَ... هيَّا ابْتعدْنَ فَلْيسَ الغرامُ نعيماً ولاَ لاَ تكنَّ كمنْ ظنَّ أنَّ الغَرامَ نعيمٌ مقيمٌ بأعْماقِ جنَّهْ وحينَ تجيشُ العواطفُ مثْلَ العواصفِ فتّحْنَ عينَا وَأَغمضْنَ جفْنَا.
تأمّل
بدوره غاص محمد الأمين النواري، في عوالم الشعراء، وارْتمى على ضفاف التأمل الإنساني العميق، حيث يقول في إحدى قصائده: في الشعر حيث الكلام يشبهنا / جداً وحيث الأكباد محترقَهْ حيث ارتضينا الجنون معجزة / والليل مثوىً والانهيار ثقَهْ نمشي ولا نبتغي الوصول ولا / نخشى كثيراً حافاتنا الزّلقَهْ في شكّنا إيمان وكل فَم / يرتاب حقّاً في كلما نطقَهْ.
حنين
جال عمار حسن، بالحاضرين بين غيابات الغُربة، وأشجان الحنين، وعزاء الأُلْفَة، حيث يقول في إحدى قصيدة «حامل أجوبة المجهول»: قال اخضراريَ يا مَنفِيُّ كُنْ قَمَراً وانزف ضياءكَ حتى تُنبت الشُّعَرا حيناً قبستُ من البركان ثورَته وكنتُ في فكرة الطوفان حين جرَى وكنتُ في القاع أشدو لست مُكترثا حتى ارْتقيْتُ.. فقاع الحالمين ذُرَى الأرض حُبلى بسِر الرَّاحلين فكُن بكُلّ خُسرانهم تختال منتصرَا.
ويقول في أخرى: أيُغفَرُ ذنبُ التيه.. يا أرض خَبِّئِي ترابَكِ فالمَشّاءُ مازال يَذكرُ أيُغفر ذنب الحبّ.. صيرورة النّدى يُداني الخزامى أو يُدانيه مرْمرُ سَجيَّتُنا أنَّا من الطين كلِّه على كل سفح في الرُّؤى نتحدّرُ.
شجون
وقدمت بشائر محمد عدة قصائد، ذات صور شعرية معبّرة، تحدّثت في إحداها عن كفاح جدّها، وكانت بعنوان «حكاية فلاح»، تقول: ثاوٍ على الرملِ يحكي بعضَ ذاكرةٍ من السنين التي مَرَّت ولم تَذرِ قـد كان جدي هنا يروي حكايتَه ويرسمُ العـمرَ بالأحلامِ والـصُّورِ إذ بارز الـريحَ مقـداماً بمنجله واستبسلَ الماءُ حتى فاضَ من حجرِ وصارع الخوف لا ظل يُسانده إلا عيوناً بكت في ساعة السّحرِ.
واختتم الأمسية علي الفاعوري، الذي قدّم عدة قصائدة، تتراوح بين ما يعكس صورة الشاعر في قلوب متلقيه، وما يسكنه من شجون الهمّ الإنساني، وذلك بلغة شعرية ثرية وآسرة، حيث يقول في قصيدته «القارئات»: أنا كلّ الذي قد قيل عنِّي فلا نامت عيون الشائعاتِ هجرتُ النارَ مُذ آنست ثلجاً يُعلّمني طقوس الدافئاتِ أنادي جائعاتِ الشعر تأتي على شوقٍ لتأكل من فُتَاتي تشاغلني القصائد ذابلاتٍ وما أشهى القصائد ذابلاتِ.
ويقول في قصيدة «رجُلٌ بآخِرِ بَردِهِ»: إلاّ إذا.. ويغيبُ في غُليونِهِ ويُخبّئُ السّنواتِ تحتَ جُنونِهِ رجُلٌ بِلا عنوان يخبزُ شِعرَهُ ويُوزِّعُ الأبياتَ مِلءَ صُحونِهِ رجُلٌ سيشطُرُهُ الغيابُ فحيثُما وجَّهتِ قلبَكِ سالَ مِن ليمونِهِ.
وفي ختام الأمسية، سلّم عبد الله العويس ومحمد القصير بحضور محمد البريكي، الشعراء المشاركين شهادات تقديرية تكريماً لجهودهم الفكرية.