عن المؤلف

تشهد الأنظمة السياسية والاقتصادية في العالم تحولات عميقة تلقي بظلالها على العلاقة بين الحكومات والمجتمعات، ما يدفع إلى إعادة التفكير في دور المؤسسات الأساسية لضمان استقرار الديمقراطيات. في هذا السياق، يصبح البحث في آليات التمثيل السياسي وإعادة بناء الثقة بين الشعوب والأنظمة ضرورة لا غنى عنها.
«التراجع الكبير: لماذا تخفق الأحزاب السياسية في التصرف كما ينبغي؟»
كتاب يطرح تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين الأحزاب السياسية والأزمات المتفاقمة التي تعصف بالديمقراطية والرأسمالية في العصر الحديث. تجادل المؤلفة ديدي كو بأن الأحزاب السياسية القوية ضرورة ملحّة لضمان استقرار الديمقراطيات وفعاليتها. يركز الكتاب على التغيرات التي طرأت على الأحزاب خلال العقود الماضية، ويوضّح كيف تراجع دورها كوسيط بين المواطنين والحكومات، ما أدى إلى تفاقم أزمة الثقة بين الجمهور والمؤسسات السياسية.
يتتبع الكتاب الصادر حديثاً عن جامعة أكسفورد باللغة الإنجليزية ضمن 288 صفحة، تطور الأحزاب السياسية، خاصة في القرن التاسع عشر، حين كانت الأحزاب الجماهيرية تشكل العمود الفقري للديمقراطيات الغربية. وقد لعبت هذه الأحزاب دوراً مركزياً في تعزيز المشاركة الشعبية وربط المواطنين بالحكومات من خلال تنظيمها القوي وصلاتها المباشرة مع المجتمعات. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأحزاب تفقد تلك الروابط الحيوية نتيجة لعدة عوامل، منها الاحترافية المفرطة التي حولت الأحزاب إلى كيانات تقنية أكثر منها مجتمعية، والمركزية التي أبعدتها عن القواعد الشعبية.
ترى المؤلفة أن التغيرات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي حدثت بعد الحرب الباردة، مثل سيادة النيوليبرالية والتحولات في تمويل الحملات الانتخابية، أسهمت بشكل كبير في تراجع قوة الأحزاب، وتشير إلى أن هذه التغيرات دفعت الأحزاب إلى التركيز على مصالحها الخاصة أو مصالح النخب الاقتصادية، ما جعلها تفقد دورها التقليدي كمدافع عن مصالح المواطنين العاديين.
توضح المؤلفة أن تدهور النظم الحزبية لم يؤثر فقط في فعالية التمثيل السياسي، بل أدى أيضاً إلى خلق بيئة سياسية غير مستقرة، وتستعرض أمثلة تاريخية لتوضيح كيف ساهم انهيار الأحزاب في تقويض الديمقراطيات، مسلطةً الضوء على الانخفاض الحاد في ثقة الجمهور في هذه المؤسسات وما يمثله ذلك من خطر على الأنظمة السياسية.
تقدم المؤلفة في الفصول التالية، رؤية تاريخية لكيفية نشأة الأحزاب السياسية كأدوات تعكس احتياجات المجتمعات وتعزز الديمقراطية. تستعرض كيف تحولت هذه الأحزاب تدريجياً إلى كيانات منفصلة عن السياسة الواقعية بسبب انشغالها بالمصالح الاقتصادية..
تطرح المؤلفة رؤية لإعادة بناء الأحزاب السياسية كوسيط فعّال بين المواطنين والحكومات، داعية إلى استعادة الأحزاب الجماهيرية لدورها الأساسي كجسر بين السلطة والشعب، مع التركيز على تعزيز روابطها بالمجتمعات المحلية وتمثيل مصالحها الحقيقية.
يعتمد الكتاب على تحليل معمق للتاريخ السياسي والاقتصادي، إلى جانب استعراض للسياسات المعاصرة، لفهم الأزمة التي تواجه الأحزاب السياسية اليوم. تقدم المؤلفة خريطة طريق للتعامل مع هذه الأزمة، موضحةً أن تقوية الأحزاب السياسية تضمن أيضاً استدامة النمو الاقتصادي وفعالية النظام السياسي ككل.
الكتاب في عمومه هو دعوة لإعادة التفكير في دور الأحزاب السياسية كمؤسسات تمثل الشعوب وتعزز الديمقراطية، خاصة أن المؤلفة تجمع بين الرؤية التاريخية والتحليل السياسي لتقديم فهم شامل للتحولات التي طرأت على الأحزاب، مع التركيز على كيفية استعادة دورها المحوري في عالم يشهد تغيرات اقتصادية وسياسية عميقة.