إعداد محمد كمال
ليس من قبيل الصدفة، أن يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطوط المواجهة للمرة الثانية فقط منذ بدء الحرب مع أوكرانيا، ولأول مرة مرتدياً الزي العسكري، تزامناً مع إعلان الولايات المتحدة عن مقترح هدنة مدتها 30 يومياً وافقت عليها كييف، ففي اليوم التالي وعقب لقاء ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شدد على أن وقف القتال مرتبط بتقدم قواته في منطقة كورسك، لكن الأكثر إثارة أن بوتين قد يمارس المفاوضات على طريقة ترامب في عقد الصفقات.
وبينما يريد المفاوضون الأمريكيون اتفاقاً سريعاً وفاء لتعهد ترامب بإنهاء القتال، فإن روسيا التي تحرز تقدماً متواصلاً على مختلف الجبهات ومن بينها كورسك، حاولت تبني مواقف دبلوماسية تحافظ من خلالها على العلاقات الروسية الأمريكية الآخذة في التحسن، ولا تتنازل بموجبها عن شروطها حول رفض وجود قوات أجنبية في أوكرانيا، أو تمسكها بسلام طويل الأمد، على اعتبار أن الهدنة المؤقتة قد تمنح كييف وقتاً كافياً لإعادة التعبئة وتسلم أسلحة جديدة.
ـ بوتين وتكتيك ترامب ـ
وبحسب خبراء، فإن بوتين بالطبع لن يظهر كرافض للسلام، بل بالعكس سيرسخ صورته الداعية لوقف القتال الدائم، وقد يلجأ إلى التكتيك الشهير لترامب، في عقد الصفقات، عن طريق المطالبة بالحد الأقصى من الشروط، مع وضع احتمال التنازل عن بعضها على امتداد مباحثات التفاوض، وبالتالي يظهر للطرف الآخر أنه قدم تنازلات في حين أنه حقق واقعياً مسعاه في الحفاظ على مكاسبه وتوطيد علاقاته بالجانب الأمريكي، وتالياً أوروبا ما يساعده على رفع العقوبات التي تؤثر في الاقتصاد الروسي المنهك بسبب الحرب.
بوتين خرج لتأكيد شكر مساعي ترامب لإقرار السلام، وأكد أنه من المحتمل أن يبحث معه تفاصيل دقيقة حول الهدنة المقترحة، ومن بينها تساؤلات حول من سيراقب وقف القتال على جبهة بطول 2000 كلم.
الموقف الروسي المتمسك بشروط مدعومة بانتصارات على الأرض، يفضي إلى أن مفاوضات الهدنة المؤقتة لن تكون سهلة، أما الأكثر صعوبة بالطبع ستكون مفاوضات السلام الدائم، حيث تأمل واشنطن في عدم العودة مجدداً إلى القتال والبناء على الهدنة في حال تحققها.
ـ قائمة المطالب الروسية ـ
وحتى مع إقلاع طائرة المبعوث الأمريكي الخاص إلى روسيا، فقد حدد الكرملين قائمة مطالب واستفسارات، ومن بينها عدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما يطالب الكرملين المجتمع الدولي بالاعتراف بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم ومقاطعات خيرسون، وزاباروجيا، ودونيتسك، ولوهانسك. وتتمسك موسكو بضرورة عدم وجود قوات حفظ سلام أجنبية داخل أوكرانيا بمجرد التوصل إلى اتفاق.
وفي حين أن المطلب رفض الانضمام للناتو يحظى بقبول المجتمع الدولي، وإن لم توافق عليه أوكرانيا صراحة، فإن المطلبين الأخيرين يتجاوزان بوضوح المواقف الدفاعية للغرب، بحسب مراقبين.
ـ المماطلة الاستراتيجية ـ
وفي حين تعلم روسيا يقيناً أن مطالبها القصوى لا يمكن الاستجابة لها بسهولة أو تحقيقها كلها، فإنها ستتعمد تصديرها للجانب الأمريكي، وسيط السلام، كتكتيك استراتيجي يطيل مدة التفاوض ويكسبها الوقت لإنجاز مهمة طرد القوات الأوكرانية من المناطق التي تسيطر عليها في كورسك، وبالتالي حرمان كييف من أقوى ورقة تفاوضية لديها، حيث تسعى لمبادلتها بأراض تسيطر عليها القوات الروسية، فضلاً عن تأثير ذلك في خفض معنويات القوات الأوكرانية، التي رأت أن عملية كورسك كانت مجرد مقامرة محفوفة بالمخاطر كلفتها خسارة المزيد من الأراضي داخل أوكرانيا.
نقطة القوة الأخرى لدى روسيا، تتمثل في أن فريق المفاوضين الأمريكيين الرئيسيين، وهم ويتكوف ووزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز، يتحركون تحت ضغط رغبة ترامب في إنجاز هدنة بناء ثقة سريعة، ومن ثم سيكونون أكثر ميلاً لتقديم تنازلات للجانب الروسي، الذي لا يحتاج أصلاً إلى الدعم الأمريكي المصيري مثل أوكرانيا.
بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فقد عرض الرئيس فولوديمير زيلينسكي التنحي إذا كان ذلك يعني منح بلاده العضوية، لكن روسيا صرّحت مراراً وتكراراً بأن انضمام كييف إلى الناتو خط أحمر، مُلقيةً باللوم على توسع الحلف في أوروبا الشرقية، عندما شنت الحرب على أوكرانيا قبل نحو ثلاثة أعوام. وبالفعل استبعد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث انضمام أوكرانيا إلى الحلف الشهر الماضي، ويشير بعض المراقبين إلى أن هذا الموقف تنازل مباشر لروسيا، وفقاً لصحيفة تليغراف.
مسألة الاعتراف الدولي بالأراضي التي سيطرت عليها روسيا، تعد نقطة تعقيد قوية، حيث ستعترض أوكرانيا بشدة، وبالمثل أوروبا تقريباً، لكن المفاوضين الأمريكيين هم من يجلسون على الطاولة حالياً، ومن المرجح أن يسعوا إلى تجنب هذه النقطة في الوقت الحالي، خصوصاً أن ترامب يسعى لعقد صفقة معادن ضخمة مع كييف، يقع الجزء الأكبر منها في منطقة دونباس، التي تسيطر القوات الروسية على جزء منها.
وكبديل لذلك ومحاولة لاستمالة الجانب الأمريكي، أعلن بوتين الشهر الماضي استعداده للعمل مع ترامب في مشاريع تعدين مشتركة، حتى في المناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها بلاده حالياً، لكن مراقبين يستبعدون مشاركة الولايات المتحدة وروسيا في مشاريع تعدين على هذه الأراضي.
النقطة الأكثر تعقيداً، بالنسبة للمطالب الروسية، تتمثل في «قوة حفظ السلام» المحتملة، ومن بين المفارقات المثيرة للجدل، تأكيد ترامب موافقة بوتين على نشر مثل هذه القوات خلال اتصالهما الهاتفي، في حين أن كل إشارة صادرة عن الكرملين، علناً، تُشير إلى عكس ذلك، وقد تمسك الرئيس الروسي برفضها بعد لقاء المبعوث الأمريكي الخاص، لمناقشة مقترح الهدنة.
ـ أكثر النقاط تعقيداً ـ
ينتقد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بشدة فكرة نشر قوات أجنبية لحفظ السلام، كما أظهرت وثيقة مُسربة في 25 فبراير من مركز أبحاث مُقرب من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي رفضها، وبدلاً من ذلك، قد تتجه روسيا للمطالبة بمنطقة عازلة على الحدود، ومنطقة منزوعة السلاح تماماً حول شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا بالقرب من أوديسا.
لكن تقريراً حديثاً لوكالة بلومبيرغ، رجح أن بوتين قد يشترط الدور الحاسم في اختيار التشكيل الدولي لقوة حفظ السلام، وربما قد يكون هناك مجال للتفاوض في هذا الشأن. واقترح معهد كوينسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، مؤخراً تزويد المنطقة العازلة على الحدود بجنود من دول الجنوب العالمي. وقد بذل بوتين جهوداً حثيثة لكسب دعم هذه الدول في ظلّ مواجهته عزلة دبلوماسية في أماكن أخرى، فوجودها على حدود روسيا قد يُثني عن الكثير من الأعمال التخريبية.
من الواضح أن أوكرانيا ستطالب بأمن أكبر بكثير مما ستوفره قوة أوروبية، تضم قوات بريطانية وفرنسية، وتشير المؤشرات الأولية إلى أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعملان على تشكيل «قوة طمأنة» تتمركز في مدن بعيدة عن خط المواجهة، بالقرب من مواقع الطاقة والبنية التحتية الرئيسية.
عادي
«تكتيك المماطلة».. بوتين وصفقة محتملة على طريقة ترامب
13 مارس 2025
22:36 مساء
قراءة
5
دقائق
المزيد من الملف
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







