إعداد: محمد كمال
بدت الضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن مختلفة عن سابقاتها، ففي حين أنها أكبر عملية عسكرية تشنها واشنطن منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن مراقبين لاحظوا توسيع نطاق الأهداف هذه المرة متجاوزة المنشآت وخطوط الإمداد، وصولاً إلى بعض أبرز القيادات الحوثية، وهو ما تجنب سلفه بايدن انتهاجه خشية التصعيد في المنطقة.
استهداف قادة الحوثيين
● التركيز على منازل قادة الحوثيين في صنعاء وصعدة، المعقل الجبلي للجماعة، هو ما امتنعت عنه إدارة جو بايدن في الغالب خشية التصعيد، واعتبروا أن ذلك قد يُقوض قدرة الحوثيين، ولكنه أيضاً يُصعّب التنبؤ بطريقة ردهم في حال تنفيذ ذلك.

● يقول مسؤولون أمريكيون إن الغارات الجوية ضد ترسانة الحوثيين، المدفون جزء كبير منها في أعماق الأرض، قد تستمر لعدة أسابيع، وقد تتزايد في نطاقها وحجمها تبعاً لرد فعل الجماعة. وقد واجهت وكالات الاستخبارات الأمريكية صعوبات في الماضي في تحديد مواقع أنظمة الأسلحة الحوثية في مصانع تحت الأرض، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
● المصادر المطلعة قالت إن بعض مساعدي الأمن القومي الأمريكي يرغبون في شن حملة أكثر عدوانية قد تؤدي إلى فقدان الحوثيين السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال البلاد، لكن ترامب لم يُقر هذه الاستراتيجية بعد، خوفاً من توريط الولايات المتحدة في صراع بالشرق الأوسط تعهد بتجنبه خلال حملته.
● أثارت هجمات الجماعة في الأسابيع الأخيرة غضب ترامب، فقد أطلقوا صاروخ أرض-جو على طائرة إف-16 تابعة لسلاح الجو الأمريكي كانت تحلق فوق البحر الأحمر، أخطأها الصاروخ، كما اختفت طائرة مسيرة أمريكية من طراز إم كيو-9 ريبر فوق البحر الأحمر في نفس اليوم الذي ادعى فيه الحوثيون إسقاط إحداها.
● قال مسؤولون أمريكيون إن الغارات جاءت نتيجة سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى في البيت الأبيض هذا الأسبوع بين ترامب وكبار مساعدي الأمن القومي، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومايكل والتز، مستشار الرئيس للأمن القومي، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، والجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية للجيش. وقد وافق ترامب على الخطة يوم الجمعة.
● ضربت نحو 40 غارة خمس محافظات مختلفة يسيطر عليها الحوثيون، وورد أن معظم الضحايا كانوا في العاصمة صنعاء، وصعدة، والبيضاء. وقال سكان محليون إن بعض الغارات استهدفت مباني في أحياء صنعاء، بعضها معاقل لقيادة الحوثيين، فيما قدرت أعداد القتلى والمصابين بنحو 130 شخصاً في حصيلة أولية.
● القيادة المركزية الأمريكية شنت الهجوم من حاملة الطائرات هاري إس ترومان في البحر الأحمر، كما شاركت في الهجوم أيضاً طائرات مسلحة بدون طيار وطائرات مقاتلة، وفقاً لصحيفة التليغراف، وقال مسؤول دفاعي أمريكي إن سفناً حربية وطائرات نفاثة أمريكية شنت هجمات في أنحاء اليمن، مستهدفةً رادارات ومواقع دفاع جوي ونقاط إطلاق طائرات بدون طيار، مشدداً على أن هذه العملية تُمثل بداية حملة متجددة لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين.
● البيت الأبيض قال إن الضربات قتلت العديد من قادة الحوثيين في اليمن، وأوضح مستشار الأمن القومي مايكل والتز في تصريح لشبكة إيه بي سي نيوز أن الغارات الجوية السبت «استهدفت في الواقع العديد من قادة الحوثيين وقتلتهم». وقال في تصريح آخر أدلى به لشبكة فوكس نيوز «لقد ضربناهم بقوة ساحقة وحذرنا إيران من أن الكيل قد طفح».

أمر حربي من ملعب الغولف
● يبدو أن الرئيس الأمريكي، حرص على تضمين الهجمات الموسعة رسائل قوية، فضلاً عن تصريحاته النارية المتوعدة للحوثيين، إذا عادوا لاستهداف خطوط التجارة البحرية العالمية، فقد ظهر وهو يعطي الأمر بشن الغارات، مرتدياً قميصاً رياضياً، وقبعة عليه شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، حيث كان يشاهد الهجمات على شاشة كمبيوتر في «مكان غير محدد» برفقة ماركو روبيو، وزير خارجيته.
● وفق المصادر المطلعة، فقد كان ترامب وقت إعطاء الأمر بالهجوم في نادي الغولف الدولي الخاص به في ويست بالم بيتش، بولاية فلوريدا، عندما أعلن الغارات على صفحته الشخصية على موقع «تروث سوشيال»، وكأنه أراد الإيحاء بمدى بساطة مواجهة الحوثيين، رغم توعدهم لاحقاً بالرد.
● وفي صنعاء شوهدت أعمدة دخان أبيض فوق مواقع متعددة، وفقاً لصور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن سيارات الإسعاف هرعت إلى منطقة الجراف السكنية التي ينشط فيها بعض قادة الحوثيين، بعد ورود أنباء عن سقوط قتلى.
● مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قال إن الهجمات الأمريكية كانت ناجحة وفعّالة، وأضاف في تصريحات تلفزيونية: «لقد ضربنا قيادة الحوثيين، وقتلنا عدداً من قادتهم الرئيسيين الليلة الماضية، وبنيتهم التحتية، وصواريخهم».
غارات متواصلة
● تُفيد التقارير بأن الولايات المتحدة تخطط لشن غارات جوية مكثفة على الحوثيين في الأسابيع المقبلة، وفي الوقت نفسه، يحقق الجيش الإسرائيلي فيما إذا كان الصاروخ الذي سقط في صحراء سيناء المصرية كان مُوجهاً إلى إسرائيل، بينما أعلن الحوثيون في وقت سابق من هذا الأسبوع أنهم سيستأنفون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر رداً على وقف إسرائيل للمساعدات الإنسانية إلى غزة.
● يأمل ترامب راهناً، في نجاح أول عمل عسكري كبير لإدارته الجديدة، حيث فشلت تقريباً جميع الجهود الأخرى، في تأمين ممرات الشحن العالمية بالصورة اللازمة، وصرح مسؤولون أمريكيون بأن ضربات السبت كانت تهدف إلى إعادة فتح الممرات، ووصفوها بأنها بداية حملة متواصلة، يقول محللون إنها قد تستمر لأسابيع.
● توعد ترامب باستخدام «قوة مميتة ساحقة» ضد الحوثيين رداً على هجماتها التي تستهدف حركة الملاحة البحرية والقوات الأمريكية في البحر، ثم طلب من إيران أن توقف دعمها للحوثيين، وإلا ستواجه عواقب. وقال بالنص: «لن يتم التسامح مع هجوم الحوثيين على السفن الأمريكية. سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا».
● أعادت إدارة ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، مشيرةً إلى موجات العنف التي شنّها المسلحون ضد السفن الحربية والتجارية الأمريكية على مدى أشهر عديدة. وصرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن ذلك كان بمثابة تحقيق لوعدٍ قطعه ترامب خلال حملته الانتخابية بعد مئات الهجمات الحوثية.
● أوقف الحوثيون إلى حد كبير هجماتهم على السفن التجارية والبحرية عقب وقف إطلاق النار الهش الذي توصلت إليه إسرائيل مع حماس في غزة، لكن قادة الجماعة حذروا من استئناف هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ في حال انهيار الاتفاق. وصرح مسؤول حوثي بأن الضربات الأمريكية بدت رداً على هذا الإعلان، في الوقت الذي ينظر لها باعتبارها رسالة ردع لإيران.
● تأتي الضربات على اليمن في الوقت الذي ينتهج فيه ترامب استراتيجية ثنائية المسار تجاه إيران، فمن ناحية يزيد الضغط الاقتصادي بهدف عزل طهران أكثر، ومن ناحية أخرى يقدم مبادرات جديدة لمفاوضات محتملة بشأن برنامجها النووي. حيث أعلن هذا الشهر أنه بعث برسالة إلى إيران، محذراً من عمل عسكري إذا رفضت الدخول في محادثات نووية.
قوة الولاية الثانية
● توفر الضربات ضد الحوثيين أيضاً المزيد من الأدلة حول كيفية استخدام ترامب للقوة في ولايته الثانية، رغم إعلانه السعي إلى الحد من الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، وربما تماشى ذلك مع ما قام به في ولايته الأولى حينما أعطى الإذن بالقضاء على القائد بالحرس الثوري قاسم سليماني في عام 2020.
● منذ عودة ترامب إلى منصبه، نفذت القوات الأمريكية عدداً من الهجمات في أماكن أخرى بالمنطقة، ففي يوم الخميس، أسفرت غارة جوية في العراق عن مقتل قيادي بتنظيم داعش الإرهابي، وصفه مسؤولون بأنه الرجل الثاني في التنظيم. كما أسفر هجوم أمريكي آخر عن مقتل قائد في فرع لتنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا الشهر الماضي، وفقاً للقيادة المركزية الأمريكية.
● قال بعض المحللين العسكريين والقادة الأمريكيين السابقين إن شن حملة أكثر قوة ضد الحوثيين، وخاصة ضد قياداتهم، ضروري للحد من قدرة الجماعة على تهديد الملاحة الدولية. وقال الجنرال السابق كينيث ماكنزي: «هذا أمرٌ طال انتظاره»، بينما أكد وزير الدفاع بيت هيجسيث: «هذا ليس أمراً عابراً.. سيستمر حتى يقولوا لن نقصف السفن مجدداً.. هذه الحملة تهدف إلى ضمان حرية الملاحة واستعادة الردع».
● منذ عام 2023، استهدف الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ما أدى إلى إغراق سفينتين ومقتل أربعة بحارة. وزعموا مؤخراً إسقاط طائرة استطلاع أمريكية مسيرة وإطلاق صاروخ على مقاتلة أمريكية.
● وقال وولف كريستيان بايس، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث في لندن، إن عدد الهجمات التي يمكن للجماعة حشدها قد يتعطل جزئياً بسبب فقدان القدرة من الضربات الأمريكية والإسرائيلية السابقة.
