تمتلك دولة الإمارات سجلاً حافلاً في مجال العطاء والمسؤولية الاجتماعية، حيث بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية التي قدمتها الدولة خلال العقد الأخير أكثر من 320 مليار درهم، ما يعكس التزامها الراسخ بدعم المجتمع على المستويين المحلي والعالمي.
كما تحتل الإمارات المرتبة الأولى عربياً والـ 22 عالمياً في مؤشر العطاء العالمي، وفقاً لآخر التقارير الصادرة عن منظمات دولية. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المتطوعين المسجلين في المنصات الوطنية للتطوع تجاوز 500,000 متطوع في مختلف المجالات، بدءاً من التعليم والصحة وصولاً إلى دعم الابتكار وريادة الأعمال.
ويُعد التعليم والبحث العلمي من الركائز الأساسية لتعزيز التنمية المستدامة، حيث تساهم الشركات والمؤسسات في تمويل الأبحاث الأكاديمية والابتكارات، وقد تم تخصيص ما يزيد على 1.5 مليار درهم لدعم مشاريع البحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة خلال السنوات الخمس الماضية.
وتتبنى الإمارات مبادئ البحث المسؤول والمستدام، التي تشجع على إشراك المجتمع في توجيه مسار الأبحاث، كما تدعم حاضنات الابتكار وريادة الأعمال البحثية، مستوحاة من النماذج الناجحة في جامعات مثل ستانفورد وهارفارد، وتوفر دعماً تمويلياً وتقنياً لتحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للتطبيق، إضافة الى تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في البحث والتطوير.
وتعد الشارقة نموذجاً متميزاً في دعم المبادرات المجتمعية والتعليمية، حيث تلعب مؤسسة القلب الكبير دوراً محورياً في توفير التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الطارئة للمجتمعات المحتاجة، بينما تساهم مبادرة «كلمات» التي أطلقتها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، في تعزيز ثقافة القراءة بين الأطفال، كما تدعم «دبي العطاء» تحسين الوصول إلى التعليم في الدول النامية، وتسهم مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في دعم مجالات البحث والابتكار.
وفي هذا السياق، يلعب مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار دوراً محورياً في دعم البحث العلمي وريادة الأعمال، ويوفّر بنية تحتية متقدمة وحاضنات أعمال متخصصة لدعم الشركات الناشئة والمشاريع البحثية.
وتواجه الشراكات بين المسؤولية الاجتماعية والبحث العلمي عدة تحديات، أبرزها ضعف التمويل المستدام الذي يهدد استمرارية الأبحاث طويلة الأمد، كما يفتقر القطاع الخاص إلى الحوافز للاستثمار في البحث العلمي، ما يقلل من رغبته في المشاركة. علاوة على ذلك، يبقى العديد من المشاريع البحثية داخل النطاق الأكاديمي دون أن تتحول إلى تطبيقات عملية بسبب ضعف التعاون مع القطاع الصناعي.
ولتعزيز التعاون بين المسؤولية الاجتماعية والبحث العلمي، يجب تعزيز التمويل المستدام، بإنشاء صناديق تمويل مشتركة بين القطاعين، وتقديم حوافز ضريبية للشركات المستثمرة في البحث العلمي.
كما يجب توحيد الأهداف بين الجامعات والمراكز البحثية والشركات لضمان توافق الأولويات مع احتياجات السوق والمجتمع، وتحفيز الشركات على الاستثمار في الأبحاث العلمية عبر جوائز وتقديرات، وتشجيعها على تخصيص جزء من أرباحها لدعم الابتكار.
لقد علمتنا التجارب أن التغيير الحقيقي يحدث عندما نتكاتف جميعاً ونتحمل مسؤولية العمل المشترك. فلنجعل من «عام المجتمع» فرصة لتعزيز قيمنا وتجسيدها من خلال أفعالنا، ولنفكر جميعاً في كيفية المساهمة في بناء مجتمع أكثر تلاحماً واستدامة. إن قوة المجتمع تُقاس بالأفعال وليس بالأقوال، فلنكن جميعاً جزءاً من هذا التغيير الإيجابي.
مقالات أخرى للكاتب

قد يعجبك ايضا







