أوروبا تعاقب إسرائيل

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم يعد العالم قادراً على الصمت، أو الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة تجاه حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. فالمجازر اليومية وحرب التجويع والتدمير والتهجير التي تتناقل صورها وتتردد أخبارها عبر العالم، تجاوزت كل ما يمكن أن يقال عن حروب وحشية أدمت وجه البشرية، وانتهكت كل القيم الإنسانية.
العالم كله، بما في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يعد قادراً على السكوت تجاه سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المصممة على إبادة سكان غزة، من خلال القتل والتجويع والحصار ومنع المساعدات الإنسانية من طعام ودواء ومياه.
لم تعد إسرائيل في نظر الغرب «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط»، ولا الدولة التي ينظر إليها على أنها «النموذج الغربي» الذي يمكن الدفاع عنه، أو تصديق سرديتها الأسطورية حول الحق التاريخي في أرض الميعاد، وأن الجيش الإسرائيلي هو «الأكثر أخلاقية في العالم»، أو لها «الحق في الدفاع عن نفسها»، ذلك أن حربها ضد قطاع غزة كشفت حقيقتها كدولة «مارقة» لا تعترف بالقانون الدولي الإنساني، ولا بالشرعية الدولية وقراراتها، ولا بحقوق الإنسان، ولا بالمجتمع الدولي. وما أكده يائير غولان رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي بأن إسرائيل «تقتل الأطفال كهواية»، وأنها في طريقها كي تصبح «دولة منبوذه بين الأمم كما كانت جنوب إفريقيا من قبل»، يكشف عن وجه إسرائيل الحقيقي ويفضح جرائم حرب الإبادة التي تمارسها، ويميط اللثام عما يقترفه الجيش الإسرائيلي من قتل متعمد للأطفال.
ولكل ذلك، تواجه إسرائيل، لأول مرة في تاريخها، رفضاً واسعاً لجرائمها الممنهجة يتجاوز بيانات الشجب والإدانة، باتخاذ مواقف إجرائية عقابية كخطوة أولى، إذا لم ترتدع وتحترم الالتزام بحقوق الإنسان.
بعد البيان المشترك غير المسبوق الذي أصدرته فرنسا وبريطانيا وكندا، والذي أكدت فيه أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» إزاء «الأفعال المشينة» للحكومة الإسرائيلية، وهددت بفرض عقوبات على إسرائيل في حال لم توقف عملياتها العسكرية في غزة، وفي حال لم ترفع القيود عن دخول المساعدات الإنسانية، وبعد البيان الذي صدر عن 22 دولة أوروبية إضافة إلى كندا واليابان وأستراليا، وطالبت فيه «بدخول المساعدات بشكل فوري وكامل إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة»، اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أمس، لبحث مقترح هولندي بتعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد، في تفعيل للمادة الثانية من الاتفاقية التي تنص على أن العلاقات بين الطرفين يجب أن تُبنى على «مبدأ احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية». فيما أعلنت بريطانيا أمس تعليق مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض عقوبات على مستوطنين في الضفة الغربية. والملفت أن المشروع صاغته هولندا التي كانت تعتبر حليفة لإسرائيل.
وقرر الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقية الشراكة، ما سيشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد على 31 بالمئة من وارداته و24 بالمئة من صادراته على الاتحاد الأوروبي. إذ بلغت صادرات إسرائيل في الربع الأول من العام 2024 نحو 4.27 مليار يورو، ما أدى لتدعيم الفائض التجاري لإسرائيل، فضلاً عن التمويلات البحثية التي تستفيد منها الجامعات الإسرائيلية، إذ تلقت نحو 126 مليون يورو من برامج أوروبية منذ بداية الحرب على غزة.
وهذا يعني أن أوروبا بدأت تتخلى عن دعمها لإسرائيل باتخاذ إجراءات مؤسساتية تعبيراً عن رفضها لسياسات حكومة نتنياهو، إضافة إلى تزايد أعداد الدول التي تعلن عزمها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. إنها صحوة لها ما بعدها، إذ باتت إسرائيل في مواجهة أخطر أزمة سياسية منذ وجودها.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"