القاهرة: «الخليج»
يبدأ كتاب «رأسي يتصدع.. سيكولوجية الملل» لمؤلفيه جيمس دانكيرت وجون د. أيستوود، ترجمة د. نهى عبد الله العويضي، بتناول ماهية الملل في محاولة لسبر أغوار تعريفات الملل السابقة والحالية، ابتداء من آراء الفلاسفة والمؤرخين، مروراً بنظرة أساتذة فلسفة التشاؤم أمثال شوبنهاور وكيركجارد، وصولاً إلى التجارب السريرية والعلمية في علم النفس، التي تدرس سلوكيات البشر وحالاتهم النفسية، والإحصائيات المقتبسة في هذا الكتاب كثيرة.
كلما أمعنا النظر في الملل صار الموضوع أكثر غموضاً وإثارة للاهتمام، علماً بأن كل التعريفات المحتملة تصب في جوهر واحد للملل، ألا وهو الألم المصاحب لذهن غير منشغل، والألم الناجم عن عدم قدرتنا على تحقيق رغباتنا، وهناك مفهوم الإحباط وعلاقته بالملل، وتعريف الإحباط هو عدم القدرة على فعل ما نريد، وعندما يتكرر الإحباط نصاب بالملل.
*إجابات
ما الذي يجعلنا نشعر بالملل؟ ليست الإجابة عن هذا السؤال أمراً بسيطاً، فالملل مثله مثل الجمال، يقع في عين الناظر، وقد تمثل السعادة لشخص ما إحساساً بالملل بالنسبة إلى آخر، لكن بالإجمال نستطيع القول إن هناك عوامل أساسية للملل، خارجية وداخلية، وأهم العوامل الخارجية أربعة: الرتابة، افتقاد الهدف، القيود، الفجوة بين المهارة والتحدي، والعوامل الداخلية خمسة: المشاعر، التكوين البيولوجي، الإدراك، الدافعية، الإرادة، وهناك صنفان من البشر الأول لديه الدافعية لتحقيق أقصى حد من اللذة، والثاني لديه الدافعية لتقليل الألم إلى أدنى حد.
يركز الكتاب على فوائد الملل، ويسلط الضوء على كون الملل منبهاً نفسياً، للتحرك في الاتجاه السليم، فالملل كأي اضطراب بيولوجي داخل الجسم، مثل حرارة الجسد أو الإحساس بالألم، يعمل كمؤشر إلى ضرورة فعل شيء، حيث إن الملل ليس إلا دعوة إلى الفعل، وهو إشارة كي تكون أكثر ارتباطاً بالعالم من حولك، فهو يمثل دفعة نحو أفعال ذات معنى تكون أكثر إرضاء لك.
ويجبرك الملل أن تطرح سؤالاً منطقياً: ما الذي ينبغي أن أفعله؟ إنه يخبرنا بأن ما نفعله الآن لم يعد جاذباً بما يكفي للانشغال به، ويذكرنا بأهدافنا، وهذه هي الدفعة التي يمنحنا إياها الملل، مثل الألم الذي يدفعنا نحو حماية أنفسنا من خطر نار أو أداة حادة، الملل هو الألم النفسي الذي يحفزنا للتحرك نحو الأفضل، مثلما يحركنا الألم الجسدي للتحرك نحو النجاة.
يحذرنا الكتاب من محاولة إخفاء شعورنا بالملل، ويسميها ظاهرة التهرب من المشاعر السيئة، وفي رواية أخرى «الإيجابية السامة» وهي إنكار حالة الإحباط والحزن والملل، وكأن الشخص يجب أن يظهر في كل الأوقات بشكل إيجابي، إن الاستجابة الجيدة لإشارة الملل تضفي عليها قيمة، فتقبل الشعور بالانزعاج يحمينا من الانهيار الناجم عن الركود على وجه التحديد، لأنه يحفز على العمل، ومن هذا المنطلق فإن الشعور بالملل ليس جسدياً ولا سيئاً.
*مهمة يسيرة
يرى الكتاب أن مفتاح إطلاق العنان لفوائد الملل، وتجنب مساوئه يكمن في استجابتنا نحن، لكن الاستجابة للملل ليست مهمة يسيرة، فالشخص الذي يحس بالملل يريد أن يفعل شيئاً، لكنه في الوقت نفسه لا يفكر في شيء يرغب في القيام به، إنه التحدي المستحيل، يخبرنا الملل بأننا في حاجة إلى إعادة التأكيد على قدراتنا، لكنه في الوقت نفسه يذكرنا بأن قدراتنا محدودة، لسنا خارقين ولا قادرين على إجبار العالم على الخضوع لإرادتنا، نحن نشغل منطقة وسطى غير ملائمة، قد يكون من الصعب قبولها، لكن عندما ينتابنا الشعور بالملل يفضل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل قدراتنا، رغم أنها قد تكون محدودة، فبقبول احتمالية الشعور بالملل لدينا فرصة للعثور على علاج له، فبدلاً من مكافحة الملل يمنحنا قبول المواقف المملة ما نحتاج إليه كي نتحرر من الملل لاحقاً.
يوضح الكتاب أن الملل يمنحك رسالة تذكرك بأنك محدود القدرات، وأن أعمالك في النهاية غير مهمة، ومع ذلك يتطلب منك اتخاذ الخيارات والقرارات والمشاركة في المشروعات، الملل يؤكد قيمة الحياة، أفعالك ليست مهمة، لكنك يجب أن تتصرف، وأن تفعل شيئاً ما، ليس هذا مأزقاً يدعو إلى التشاؤم، على العكس إنها الحياة ذاتها.
عند الشعور بالملل نبحث بإلحاح عن أنشطة لا تتطلب بذل الكثير من الجهد، ونأمل أنها ستحررنا من الملل بأقصى سرعة ممكنة، والعديد من هذه الأنشطة مصمم للتحكم في انتباهنا، وهذا ما يجعلنا بشكل أساسي عالقين في مشاركة غير واعية، وتوجد اقتراحات للتكيف مع الملل، كلها وسائل للمشاركة الفعالة، لكن وراء هذه الخيارات خيار آخر يتطلب منا أن نعيش اللحظة الحالية، ونستجيب للملل، يطلب منا هذا الخيار أن نتجنب البحث عن سبل للهروب.
*لحظات
يرى الكتاب أن الملل يأتي لكل منا في اللحظات التي لا نستطيع فيها رؤية أي شيء أمامنا في الطريق، حينما نريد أن نفعل شيئاً، لكن لا نرغب في فعل أي شيء متاح في الوقت الحالي، يمكن أن نطلق على تلك الظاهرة مسمى الكسل أو فتور الهمة، أو قد يكون ذلك إحساساً بعدم الارتياح، فلا تهدأ من أجل الحصول على شيء ما، لكنك لست متأكداً مما يرضيك.