عالم فيزياء يفلسف الحرب

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

لا تبحث عن إجابات مقنعة للأسئلة الفكرية والوجودية التي تفرضها ظاهرة الحرب في التاريخ، وتداعياتها الكارثية على العالم والحياة والشعوب. لا تبحث عن تلك الإجابات عند السياسيين أو العسكريين أو صنّاع القرارات المفصلية في تاريخ البشرية، فهؤلاء يعطونك إجابات تبريرية ذرائعية في الكثير، بل في جميع خطاباتهم وأدبياتهم المواربة.
الروماني باساراب نيكوليسكو عالم فيزياء، لكنه جعل من الموسيقى قاعدة علمية ليفلسف من خلالها أخطر وأبرز ظواهر العالم المعاصر مثل الذكاء الاصطناعي، والغباء البشري، والكون، وحتى أنه فلسف الحب عبر منظوره الفيزيائي الثقافي، وذهب إلى معنى التاريخ عبر الفيزياء، وحلّل ظاهرة الجنون عبر قاعدته العلمية الفيزيائية. وهنا يتوقف القارئ عند رؤية نيكوليسكو للحرب من زاوية فلسفية فكرية تعطيك الإجابة التي تبحث عنها ولم تجدها عند السياسي أو العسكري أو الدبلوماسي المحكوم دائماً بشروط قاموسه اللغوي.
يقول عالم الفيزياء الذي وضع نفسه في موقع المحلّل السياسي، إن الحروب هي دائماً ثنائية القطب: شرق – غرب، شمال – جنوب، يسار- يمين، مشرق - مغرب، أسفل - أعلى. ويضيف: الحروب، الثورات، الأمراض التي لا تحصى، لم تعد تدهشنا «حتى زوال الحياة على الأرض لم يعد يدهشنا»، ويربط نيكوليسكو بين الكمبيوتر واللعب والحرب. يقول: «يقدّم الحاسوب للإنسان فرصة لكي يلغي الحروب، أي، اللعب حربياً مع الحاسوب. إنها حرب اللعب».
بالنسبة إلى نيكوليسكو، فإن الحروب تؤدي إلى التهديم الذاتي للجنس البشري، وهو التهديد الممكن جداً اليوم كما يقول، وهذا سوف يؤدي إلى تهديم الأكوان كلّها.
ابتكار الإنسان، وعلومه، وعبقرياته ليست كلها خيراً على بني البشر في رأي عالم الفيزياء الشعري هذا، فهو يقول: مضت على الكون مليارات من السنين لكي يبتكر الأرضَ والإنسان، بينما ابتكر الإنسانُ، خلال عصرٍ تقريباً، وسائل تدمير الأرض على نحو شامل، وهذا في رأي نيكوليسكو: برهانٌ دامغ على عجز الإنسان.
أخيراً، لنقرأ هذا الاستنتاج الحسابي الذي توصل إليه هذا الفيزيائي غير المتفائل. يقول: «في زمن لا نهائي، سيكون هناك عدد لا نهائي من الأحياء عاشوا على هذه الأرض، وعدد لا نهائي من الموتى على هذه الأرض»، وهو يرى أن الفرق بين هذه الأعداد اللّانهائية يعطينا عدداً نهائياً: عدد الأحياء على الأرض في لحظة معيّنة ثمنه عدد هائل من الموتى. وبالطبع، تتكفل الحروب عادة بهذه المعادلة الرياضية للأحياء والموتى.
وكما لو أنه يقول: لكي يكون هناك المزيد من الأحياء، لا بد أن يكون هناك المزيد من الموتى، ولكي تتحقق هذه الفرضية وتصبح حقيقة، فلا بدّ إذاً من المزيد من الحروب.
مع كل هذا، فإن الفيزياء هي الأخرى تغذي الحروب، وذلك عبر العقل العلمي الذي يصنع الأسلحة.
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"