عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الجلي».. الحرف يمزج الأصالة بالمعاصرة

20:04 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

لا يزال «الثلث الجلي»، بما يتميز به من خصائص جمالية فريدة لكونه من أقدم الخطوط العربية، يمنح الخطاطين فرصاً كبيرة لإبداع أشكال مختلفة في هذا النوع من الخطوط الذي يتميز بمرونته وجمال تراكيبه، كما يتمتع بوضوح وجمال تراكيبه ومن خلاله يمكن إبداع رؤى وأفكار عديدة تضيف إلى جماليات وخصائص الحرف العربي.


لدينا لوحة في الثلث الجلي للخطاط اللبناني خير الدين خزام استخدم فيها الآية الكريمة «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» الرحمن-29، استطاع خزام، أن يرسم حروف هذه الآية الكريمة بشكل مرن في تراكيب آسرة وجميلة، مع حفاظه على وضوح الكلمات، حيث انتظمت حروف هذه الآية بشكل بصري متوازن، ويسهل قراءته من قبل المشاهدين بكل يسر، ووضوح وكان التركيز على الجانب الفني والروحي لافتاً في هذه اللوحة الخطية، كما هو واضح في التكوين.


لقد صمم خير الدين هذه الآية مازجاً بين مفهومي الأصالة والمعاصرة، جامعاً بين ضوابط الثلث الجلي وتلك الروح المعاصرة التي بدت في رسم الحروف التي شكلت في مجموعها شكلاً فنياً جاذباً ولافتاً.

*تكوين


يلفت النظر في هذه اللوحة الخطية، موضوع «التوزيع البصري» للنص الديني، فالنص موزع بشكل متناظر حول محور مركزي مفترض خاصة في الجمل القصيرة مثل «هو في شأن»، وهناك ما يمكن أن نطلق عليه «توازن الفراغات»، كما هو في حرف (الياء) في كلمة (يوم) حيث يمتد حرف الياء لأسفل، ما يعوض الفراغ في أعلى الكلمة.


وهناك «التدرج الهرمي» فكلمة «هو» في الآية حرص الخطاط على رسمها بحجم متوسط لجذب العين إلى تدرج النص، انتهاء بكلمة «شأن» التي كتبت بحروف كبيرة ومنمقة كي تشير إلى قوة النص الديني.


وهناك «العلاقة بين الحروف والكلمات» فالمساحات البيضاء حول النص تمنح الحروف حرية التموضع من دون أن يشعر المشاهد بالتكدس البصري لجهة توزيع الكلمات.


وهناك تداخل الحروف، كما يبرز في كثير منها على سطح اللوحة، ناهيك عن اتصال بعض الكلمات مع بعضها، كما افترض الخطاط في لوحته محوراً مركزياً للآية، وهو غالباً ما يكون محوراً رأسياً لتصميم بقية حروفها، وإذا دققنا في اللوحة أكثر يمكن الالتفات إلى إيقاع وحركية بعض الكلمات مثل «شأن» في نهاية النص لتحدث توازناً بصرياً في الجزء العلوي من الآية، كما حرص الخطاط على أن يزين اللوحة ببعض عناصر الزخرفة الحروفية الصغيرة في كما هو في حركات الضم والفتح لتملأ فراغات النص.

ولجمال التكوين الفني في اللوحة، جعل الخطاط أول كلمة في النص الديني (كل) في منتصف اللوحة، ومستكملاً التدرج الهرمي للنص كما ينبغي لجمال التكوين أن يبرز موازناً بين الحروف والكلمات والفراغات.


جاء نص الآية داخل شكل دائري، بوصف الدائرة شكلاً هندسياً، ترمز إلى الوحدة والتنوع والتكامل، كما جاء النص نفسه باللون الأسود ليشير إلى قوة المعنى وللتعبير عن مضمون وروح الآية التي تتعزز في منظومة جمالية متكاملة تزيد من جاذبية الشكل البصري.


ولتحقيق مزيد من الجاذبية البصرية في هذه اللوحة، فقد صمم خير الدين نصه في داخل أرضية من تدرجات اللون البني، برمزيته التي تشير إلى التواضع والراحة النفسية كما تشير إلى القوة والموثوقية والسكون والهدوء، وهي ميزات أساسية لها علاقة برمزية اللون في الفن الإسلامي.

*إضاءة


ولد خير الدين خزام عام 1971، وهو حاصل على بكالوريوس طب وجراحة الأسنان، وله مشاركات خطية في كثير من الملتقيات العربية والدولية، كمشاركته في المسابقة الدولية الحادية عشرة لفن الخط


( إرسيكا) في إسطنبول في 2019، وقد تتلمذ قبل ذلك على يدي الخطاط جاسر الشمري في مركز الكويت للفنون الإسلامية في عام 2013 ومن بعده على يدي الخطاط أيمن حسن، وقد حصل على الإجازة في الخط العربي (الثلث والنسخ) في إبريل 2018 من أيمن حسن، وبتصديق من داود بكتاش وحسن جلبي.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"