الفضل والشّر

03:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
من فضائل الله علينا أن خلقنا بشراً معاً، ومن تمام نعمته أن أسجد لنا ملائكته أجمعين، واختارنا نحن سلالة الطين اللازب، لأن نكون خليفته في الأرض. وفي قصّة استخلافنا في الأرض مواقف ووقفات، مواعظ وعِبَر، تحذير وتبصير.
ولنعد بالزمن للحوار الذي دار بين ربنا عزّ وجلّ والملائكة عندما أخبرهم بأنه جاعل في الأرض خليفة، التصريح جاء علناً وعلى الأشهاد، وعندما استفسرت الملائكة وتساءلت عن هذا البشري الذي سيكون خليفة الله في الأرض، وهو الذي سيفسد، وسيسفك الدماء، كان استفساراً عن الحكمة، وليس استفساراً مربوطاً بجنسه ونوعه. الملائكة كانت تعلم بكل ما سيصنعه البشر، وأنهم ليسوا جميعاً مسبّحين لله ومقدّسين لجلاله، ولعل هذا يعلّمنا الأدب مع الله ومع خلقه، فليس لنا أن نتكلم بما هو به أهل؛ وليس لأحد غيره، وأننا يجب أن نطيع أوامره فيما نعرف وفيما لا نعرف.
وتأتي المرحلة التي تلي الإخبار، لساعة خلق الإنسان. وخلق الله الإنسان من صلصال، من حمأ مسنون، ولكنّه وحتّى هذه اللحظة، ما هو إلا مجسّم من جماد، وجميع المخلوقات الأخرى هي الأسمى منه. الجن والملائكة، وهم خلق الله الأوّل، والذي له قدراته الخاصة، فالأوّل مخلوق من نار، والآخر من نور، وكلاهما عَلِمَ اللهُ أنهما لن يكونا الأصلح لعمارة الأرض وخلافته فيها.
جاء موقف الملائكة بالرد على قضية استخلاف الإنسان في الأرض باستفسار من الرّب دون الإلحاح في طلب المعرفة، وكان تنفيذ الأمر الربّاني «فقعوا له ساجدين» بالإيجاب والقبول المسلّم بقدرة الله وعلمه، فسجد الملائكة كلّهم أجمعون، وكان هذا أمر من يُدرك بأن الله هو الأعلم والأجلّ شأناً في وصف خليفته على الأرض. ولكنّ الشيطان الذي كان من الجن وتكبّر على أمره، فلم يكن من السّاجدين، وكانت تلك أولى المعاصي «الكِبَر والغرور».. وردّ أمر الله وقال «أأسجد لمن خلقت طيناً»، «أنا خيْرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين».
استحقّ الإنسان السّجود بأمر من الله «فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين»، وقصّة خلقه والنفخ فيه، توضّح لنا أن للإنسان عدوّاً قبل أن يعرف آدم ويتعلّم. عدوّه الأول هو الكِبْر، والشيطان ما كان له على الإنسان أي سُلطان إلا أن دعاه فاستجاب، ونحن نعلم بأن مردة الجن والشياطين ليسوا بأقوى من مردة الإنس. وهم جميعاً يوحون لبعضهم بعضاً بزُخرُف القول غروراً، ليس لهم فِعل واقعيّ ملموس، يراه الناس فيحكمون عليه، ولكنّ كل شأنهم العيش في الظلام، واصطياد الضّعاف من الناس ومن ثمّ الوسوسة لهم.
الجماعات الإرهابية أساسها تمرّد على أمر الله وحُكمه، وهم ليس لهم في الأديان أي ارتباط، هم يدعون لدولة تقوم على الحرام ومخالفة شرع الله، فيحلّون ما حرّم الله، ويحرّمون ما أحلّه الله. هم سرقوا الأرض، وأهلكوا الحرث والنسل، وشرّدوا الناس من أراضيهم، وزرعوا الخوف والرّعب، وأقاموا للباطل شوكة، لا إلّاً لهم ولا ذمّة، هم أقرب للكفر منه للإيمان. هم دعاة سفك الدماء، والله يدعو لحقنها، جنّتهم التي يدعون إليها ما هي إلا نار. هم مزامير الحقد، ودُعاة الكِبْر والغرور، كلامهم تهديد ووعيد، يختبئون في الجحور، ويتستّرون تحت جُنح الليل، معونتهم من تُجّار السّلاح، وأهل الربا والحرام، وفعلهم تبرّأت منه الأديان والرسالات والإنسانية، الحرب عليهم وتجفيف منابع شرّهم ضرورة إنسانية مُلِحّة بكل وسائلها وعلى اختلاف أنواعها.

كافية الكعبي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"