العلم بداية الإنسانية التي كرّمها رب العالمين، وهو يبدأ بفطرة غرسها الله في كل نفس، ومع مراحل نمو الإنسان تتغير وتتبدل. وهنا أتحدث عن الإيمان، ولكن العلم الذي يولد في المعمل لا يختلف، فلو نظرنا لعلوم الفضاء، والرياضيات، والكيمياء، والفيزياء، واللغات، والآداب، جميعها تشترك في كثير من السمات والعديد من المقوّمات. وهي لا تختلف من مدرسة لأخرى، أو من بلد لآخر. ومن العلوم ما هو سامٍ ونافع للبشرية، ومنها ما حمل في طيّاته الدّمار والهلاك. ومن البشر من حمل على عاتقه أمر مساعدة الناس والأحياء، ومنهم من ضل السبيل، ليتخفى تحت أقنعة الضلال والظلام، ليعلن الحرب على شريعة وأمر الله، ورحمته في خلقه. لقد حولوا العلم من جناح يرتقي بالبشر لأعلى درجات السمو والإجلال، إلى معول يحفرون به مستنقعات يملؤونها بالباطل من بين يديه ومن خلفه، وعن اليمين وعن الشمال، ليتحول الكائن الذي أعزه الله ورفعه ونفخ فيه من روحه، إلى كائن متعطّش للضرر والضرار، وقتل النّفس التي حرم الله، وسفك الدماء، وترويع الناس وتشريد العباد، ولم يسلم من شرورهم حتى الدّواب والأشجار.
أما العمل، فهو وسيلة الناس في تطبيق العلم، فعندما يتعلّم الإنسان ويرتقي في علوم الحياة وفنون العمل، نجد أن الإنسان يكون له شخصية جميلة، فيكون الطبيب، والمهندس، والعالم، والمعلّم، والفني، والطيار، وغير ذلك من جميل الصور التي تنعكس بإيجابية على الفرد، وأسرته، ومجتمعه، ووطنه. والعمل مقدس قدسيّة العبادة، والله -تعالى- فضّل العاملين على القاعدين بدرجات، لأنه تعالى خلقنا للعمل وإعمار الأرض الذي يتطلّب الكد، والتعب والعناء. وتأتينا القصص ويُروى في الأثر بأن جميع الأنبياء والرسل امتهنوا مهنة، وتعلّموا حرفة تساعدهم على كسب لقمة العيش، ولكنّ هناك فئة من النّاس في وقتنا المعاصر، امتهنت حرفة الموت والقتل والسلب والأسر، وأخذوا ينادون بالمنكر ويزهقون الحق، وكأنهم يعترضون على حكم الله تعالى فيما أعطى وقدر.
العلم والعمل وجهان لعُمْلة أجازها الله -تعالى- ودعا إلى التنافس الشريف في مجالهما. وتتبّع العلم من المهد إلى اللحد، فريضة على كل إنسان، وواجب على كل من أراد أن يخلق له ولأسرته المكان الحصين. أما العمل، فهو من يجعل الإنسان يعيش ويرتقي، وحذار من أن يستخدم العلم والعمل في غير أوجه حقهما، لأن حقهما عند الله هو إعمار الأرض، وإسعاد البشريّة.
كافية الكعبي
[email protected]