الحرب السيبرانية المدمرة

00:53 صباحا
قراءة 4 دقائق
عصام الجردي

شاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنهاء سنواته الثمانية في البيت الأبيض بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا على خلفية قرصنة إلكترونية للتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية. العقوبات شملت 35 ضابطاً في وكالة الاستخبارات الروسية ووكالة خدمات الأمن الفيدرالية. والثانية التي يشرف عليها بوتين شخصياً بديل عن جهاز الاستخبارات السابق الذي تولى بوتين أيضاً رئاسته في حقبة ما زمن الاتحاد السوفياتي السابق. وشملت ثلاث شركات تزودانها بخدمات. استند أوباما إلى أمر تنفيذي واسع الصلاحيات أصدره في 2015 يشدد العقوبات على القرصنة الإلكترونية ضد الولايات المتحدة. بما ذلك تخريب البنى التحتية والتجسس الصناعي. والتأثير في أعمال المؤسسات الدستورية والانتخابات في الولايات المتحدة بأنواعها. وتشمل تجميد موجودات أفراد وكيانات اقتصادية. وقال أوباما إن العقوبات لن تقتصر على ما أعلن منها بل ستستمر في الوقت والمكان المناسبين. وقد لا يعلن عنها بالضرورة.
بعيداً من التأويلات التي تنطوي عليها العقوبات لترميم سياسة أوباما الخارجية، لكن الأسس التي استند إليها القرار تطرح أهم قضية قد يواجهها العالم في عقود مقبلة وهي «الحرب السيبرانية» ومخاطرها. ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل وعلى البشرية جمعاء، وأمنها ومستقبلها. فالتكنولوجيا التي نقلت العالم إلى حال لم يكن أحد ليتخيلها من المنجزات والابتكارات التي تتحكم بمسار البشر اليوم، هي نفسها تنتج أسلحة مضادة. لو استخدمت في الاتجاه المعاكس لخدمة البشر والحياة على الكوكب، لأنتجت دماراً شاملاً ورهيباً. قيل يوم كان بوريس يلتسين على رأس الاتحاد السوفياتي، إن وكالة الاستخبارات (كي جي بي) حجبت عنه سراً شيفرة الحقيبة النووية لعلة في صلته بالكحول. وقد قضى يلتسين مخموراً.

الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب علق على قرار أوباما فدعى أجهزة الأمن إلى «كشف الأدلة التي في حوزتها بدلاً من تسريبها إلى وسائل الإعلام». لكنه لم يتجاسر على نفي مضمون التقرير. وحضّ أجهزة الأمن على متابعة عملها. في اعتقادي أن القضية أبعد من ترامب ومنافسته الخاسرة هيلاري كلنتون. لمجرد أن يتمكن جهاز أمني أو غيره من اختراق مواقع إلكترونية أمريكية شديدة الخطورة في حجم التأثير في انتخاب رئيس للولايات المتحدة، هنا تكمن الخطورة على كل المواقع الأخرى. خصوصاً وأن في الدولة المخترقة أم خوادم الإنترنت وأجهزة الإلكترون في العالم.

مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (أوفاك) الذي عُهد إليه بمتابعة تنفيذ العقوبات على روسيا، أعلن عن اختراقات خطرة ترقى إلى جرائم مالية ومصرفية على مستوى دولة روسيا. وتبتعد بالملف من الولايات المتحدة إلى كل النظام المالي والمصرفي والاقتصادي الدولي. على موقع المكتب، إن جنرال الاستخبارات يفغيني ميخائيلوفيتش بوكاتشيف تم تعيينه في منصبه لأنه مُبتكر ما يعرف بنظام البرمجيات الخبيثة. «وقد تمكن من اختلاس مكاسب مالية كبيرة من القطاع الخاص وتمكين مجرمين إلكترونيين من القيام بأنشطة خبيثة للإفادة من نظام زيوس وقام بتوزيع البرنامج وبيعه تلبية لحاجات عملاء آخرين». يتابع الموقع أن أكثر من 100 مليون دولار أمريكي اختلست عبر هذا النظام من مؤسسات مالية أمريكية ووكالات حكومية في الذات. لكن أخطر ما كشفه الموقع عن تطوير نظام البرمجيات الخبيثة للحصول على فدية في مقابل بيانات مقرصنة كان ضحيته 120 ألفاً في الولايات المتحدة. الجنرال الآخر في أجهزة الأمن القريبة من بوتين ألكسيفيتش بلان، تمكن عبر شركات تجارة إلكترونية في الولايات المتحدة من سرقة بيانات وعناوين البريد الإلكتروني وأسماء العملاء وكلمات السر المشفرة لبيع معلومات عن 200 مليون حساب في العالم لرجال أعمال لتحقيق مكاسب مالية. للمناسبة زيوس كبير آلهة الشر والنار لدى قدماء الإغريق كما يقتبس من الأساطير.

نعم. إنها حكايات أشبه بأفلام الخيال العلمي موجودة على بيانات وزارة الخزانة الأمريكية. وتظهر كم هو العالم مكشوف وأسراره وخصوصياته وأمواله. عرضة لسلاح التكنولوجيا المضاد. ليكتمل المشهد الدرامي، علينا ألاّ ننسى أن سلاح الاختراق نفسه متاح بيسر لدى الولايات المتحدة وأجهزتها. وقادرة على استخدامه لأغراض غير نبيلة البتّة. هي مالكة مفاتيح كنوز المعلومات في العالم.

يحتفظ بوتين بحق الرد على ما قال لقناة متلفزة. الكرملين نفى في بيان له ما اقترحه وزير الخارجية سيرغي لافروف بطرد 35 دبلوماسياً أمريكياً. ربما يراهن بوتين على صديقه ترامب. وتفصله أيام عن تسلمه مقاليد البيت الأبيض. نرى تفسير الاستنتاج بوصف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الفيدرالي الروسي العقوبات «سكرة الموت لجثث سياسيي الإدارة الأمريكية الراحلة». بيد أن ترامب لن يحظى بهامش مناورة واسع لشن هجوم مضاد على أجهزة الأمن حين الاجتماع بها لبحث التقرير والموقف من قرار أوباما بعد تكريسه رئيساً بصلاحيات تنفيذية تخوله إلغاءه. الحزب الجمهوري ينتظره في الكونغرس. العقوبات قوبلت بتأييد واسع من الحزب وصفها المتحدث باسم مجلس النواب الجمهوري بول ريان بأنها جاءت متأخرة وأكثر من مستحقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"