خُفضت الفائدة.. بقيت مغامرات ترامب

23:49 مساء
قراءة 4 دقائق
عصام الجردي

فعلها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أخيراً، ورفع سعر الفائدة الأساسية ربع نقطة مئوية إلى هامش 0.50 و0.75 في المئة. لم تستجب رئيسة مجلس الاحتياطي جانيت يلن، لمشيئة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بمقدار استجابتها لمسار الاقتصاد الأمريكي ولتفويض الكونغرس للمجلس سياسة نقدية تتيح خلق فرص العمل والوصول بالتضخم إلى سقف 2 في المئة.
في أي اتجاه جاء القرار المتوقع منذ فترة طويلة، لا يبدد التساؤلات حول مستقبل يلن على رأس الاحتياطي الفيدرالي. ولا على طبيعة علاقة المجلس مع ترامب وإدارته مستقبلاً. أو علاقته مع كونغرس بأغلبية موصوفة من الحزب الجمهوري. التساؤلات تحتل الآن الصدارة في الولايات المتحدة. أما تداعيات رفع الفائدة وتأثيراتها متعددة الأوجه خارجياً، سواء على الدول المرتبطة عملاتها وديونها واحتياطاتها بالورقة الخضراء فمسألة أخرى. لم تشأ يلن أن تفتح كوة على رغبات ترامب بعد القرار للتو. قالت بعد إصرار وسائل الإعلام «لن أقدم نصائح لما يفترض أن تكون عليه توجهات الرئيس ولا الكونغرس». لكنها لم تتردد في القول إن «كل أعضاء اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة يقرون بوجود شكوك كبيرة حيال ما ستكون عليه آثار السياسات الاقتصادية على اقتصاد الولايات المتحدة. ونراقب ذلك في هذه اللحظة بكثير من الضبابية والريبة».
لا تخفي يلن تأييدها للحزب الديمقراطي. نحت ذلك جانباً رئيسة للاحتياط الفيدرالي. اتهمها ترامب أثناء حملته الانتخابية بأنها لا ترفع الفائدة بطلب من الرئيس باراك أوباما كي يجتنب فقاعة مالية قبل رحيله. وتوعد «بتغييرها في أقرب فرصة ممكنة» لو انتخب رئيساً. لم ترد يلن حين كانت كل التوقعات تستبعد فوزه في الانتخابات. تواجهه الآن رئيساً. وتعلم أن ولايتها تنتهي في يناير/كانون الثاني 2018. ولن يجددها الرئيس المخول تعيينها بموافقة مجلس الشيوخ. وهي بحسب القانون من 14 عاماً لم يكملها سلفها بن برنانكي. الواقع أن شكوك يلن وأقرانها في مجلس الاحتياط الفيدرالي في ما ستكون عليه سياسات ترامب الاقتصادية والمالية وحيال المجلس، يشاطرهم إياها أعضاء بارزون من الحزب الجمهوري في الكونغرس. ناهيك عن مواقفه المعلنة من اتفاقات التجارة الحرة وشركاء الولايات المتحدة التجاريين. ينوي ترامب تعيين مدقق حسابات خارجي في مجلس الاحتياطي إلى جانب التدقيق الداخلي. وهو الذي لم يقدم لائحة بمدفوعات الضرائب على إمبراطورية أعماله طلبت منه خلال حملة الانتخابات الرئاسية. وبذلك يريد التعامل مع المجلس مصرفاً تجارياً، والمهمة موجودة أساساً لدى الكونغرس.
بعيداً عن ذلك. فتوقيت قرار رفع الفائدة جاء في زمانه. فالناتح المحلي الإجمالي عند 2.9 في المئة في الربع الثالث 2016 معدلاً على أساس سنوي. والتضخم 1.5 في المئة. والبطالة 4.6 في المئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. مؤشرات تتجاوز إيجاباً ما فوضه الكونغرس لصانعي السياسة النقدية. مع ذلك لم تفرط يلن في وعودها برفع الفائدة تكراراً ولو تدرجاً في 2017، في انتظار المزيد من المؤشرات الاقتصادية ومسار الأسواق المالية الدولية على ما قالت في مؤتمرها الصحفي. مساحة الحذر على مستوى الفائدة التي طبعت تصرف لجنة الأسواق المفتوحة خلافاً لكل التوقعات السابقة باقية. ولها الكثير من الأسباب الوجيهة. أخطرها الانقلاب الكامل في السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية في عهد ترامب لو نفذّ الأخير تعهداته في حملة الانتخابات الرئاسية.
ونحسب أن ترامب سيعجز عن إمرار مشاريعه تشريعات في الكونغرس. أو سيتراجع عنها. إلى ذلك، فمعدل النمو الجيد في 2016 يعوزه من الدعم زيادة التوظيفات الاستثمارية لاستكمال النمو في 2017. السنة التي يتوقع أصدقاء ترامب من خبراء غولدمان ساكس ألاّ يتجاوز فيها النمو 2 في المئة. والمعدل نفسه في 2018. تشاطرهم الرأي مؤسسات بحوث جامعية. وبحسب تلك المؤسسات تحتاج الولايات المتحدة 3.8 في المئة نمواً توالياً حتى 2020، لوضع قدم ثابتة على مسار خفض العجز والمديونية. كما أن ارتفاع أسعار النفط لو تقيد المنتجون بقرار الخفض، وتحسن الطلب العالمي على النفط، قد يرفع التضخم في المدى المتوسط فوق 2 في المئة. ذلك أن خطة ترامب لإنفاق مئات المليارات على البنى التحتية لا بد وأن تكون مصحوبة بضغوط تضخمية في مراحلها الأولى حداً أدنى، قبل تقييم أثرها الفعلي على الاقتصاد. ولا تبدو البطالة من بعد قضية مقلقة في ضوء المؤشر الإيجابي. من قرب تختلف الصورة لتمس استقرار الوضع الداخلي. ما زال مستوى البطالة عند 9 في المئة لدى السود، ونحو 8 في المئة لدى اللاتينوس والأقليات العرقية. و4.6 في المئة بطالة لا تعكس بدقة حال الوظائف في الولايات المتحدة. نعود إلى ترامب كيفما اتجهنا. تحريض الأخير على الأعراق الأقلوية قد يفاقم مشكلة الوظائف لدى الأقليات. وأجورها غير مكافأة أصلاً في فترة أوباما في البيت الأبيض. أي انتكاسة في النمو ستكون آثارها ثقيلة على المجتمع الأمريكي. وقت يشهد فيه تحركات واضطرابات على خلفيات عرقية. الفائدة خُفضت. بقي أن تُخفض مغامرات ترامب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"