سيناريوهات شكل التعافي المرتقب

01:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
تيم فوكس *

ظهر وابل من المؤشرات الاقتصادية التي تشي بأن التعافي الاقتصادي لن يكون بالسرعة المتوخاة، ما أعاد التركيز على سيناريوهات التعافي الأكثر تحفظاً

خالف الأسبوع الماضي التوقعات السابقة بشأن الشكل الذي سيتخذه التعافي الاقتصادي العالمي، ففي وقت كثر الحديث حول تعافٍ ذي وتيرة سريعة وفق رسم بياني على شاكلة حرف V بدأنا نتلمس سيناريوهات أكثر واقعية تتخذ الرسم البياني U للشكل الذي سيكون عليه مسار التعافي الاقتصادي خلال مرحلة ما بعد فيروس «كورونا».

قبل عشرة أيام، سجلت الأسواق العالمية ارتفاعاً بدفع من نمو مؤشر الوظائف في الولايات المتحدة وفق تقرير شهر مايو، الذي أظهر ارتفاعًا بمقدار 2.5 مليون وظيفة في وظائف القطاع غير الزراعي، ما شكل إشارة إلى أن الاقتصاد الأمريكي وبالتالي العالمي، كان في طريقه نحو تعاف سريع وفق الرسم البياني V. ولكن منذ ذلك الحين، ظهر وابل من المؤشرات الاقتصادية التي تشي بأن التعافي الاقتصادي لن يكون بالسرعة المتوخاة، ما أعاد التركيز على سيناريوهات التعافي الأكثر تحفظاً والحد بالتالي من اندفاعات أسواق الأسهم.

على أية حال، كان ينبغي على الأسواق أن تكون أكثر حذراً في قراءتها وتحليلها لأرقام الوظائف الأمريكية لشهر مايو. فبعد فقدان حوالي 20 مليون وظيفة على مدى شهرين، كان الانتعاش الذي شهدناه في هذا المجال مشجعًا ولكن لا يزال من المبكر جداً القول إن الأمور عادت إلى نصابها. وغالباً ما تتصف أرقام ومؤشرات الوظائف بالتقلب حتى عندما تكون الأوضاع الاقتصادية مستقرة وإيجابية، وبذلك فإن صفة التقلب تلك ستكون مماثلة أو أكثر حدة في ظل ظروف اقتصادية كتلك التي نشهدها حالياً، حيث لا يزال معدل البطالة عند نسبة 13.3٪ وهي النسبة الأعلى منذ أربعينات القرن الماضي. لطالما كان التصور بأن الوظائف سوف تتعافى وتعود لما كانت عليه خلال فترة وجيزة مماثلة لفترة فقدانها تصوراً من وحي الخيال. فمن المحتمل أن يستغرق هذا الأمر عدة أشهر إن لم يكن سنوات لعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وباء «كورونا»، وهي مسألة تم الإضاءة عليها بشكل جوهري في التقرير الصادر حديثاً عن المجلس الاحتياطي الفيدرالي.

لقد كشف البنك الاحتياطي الفيدرالي عن موافقة البنك الدولي على توقعاته الاقتصادية المحدثة التي أعلن عبرها عن ترقبه انكماشاً بنسبة 5.2٪ في حجم الاقتصاد العالمي لهذا العام، وهو ما يمثل أعمق ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، حيث من المتوقع أن تسجل الاقتصادات المتقدمة تراجعاً بنسبة 7.0٪ والناشئة بنسبة 2.5٪. بدورها خرجت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتوقعات أكثر سوءاً وفق سيناريوهين: الأول انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 6٪ هذا العام إذا تم تجنب موجة ثانية من فيروس «كورونا»، بينما يطرح السيناريو الثاني انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7.6٪ خلال الموجة الثانية يليه نمو بنسبة 2.8٪ في عام 2021، مع عدم عودة الناتج إلى مستويات ما قبل الركود خلال عامين على الأقل. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «معظم الناس يرون تعافيًا على شكل رسم بياني وفق حرف V لكننا نعتقد أن النمو سيتوقف في منتصف الطريق. وبحلول نهاية عام 2021، تجاوزت خسارة الدخل أي ركود سابق على مدار المئة عام الماضية خارج زمن الحرب مع عواقب وخيمة وطويلة الأمد على الأشخاص والشركات والحكومات. وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضًا أن تسجل المملكة المتحدة الأداء الأسوأ، وفق توقعات بانخفاض النمو بنسبة 11.5٪ في السيناريو الأول و14% اذا طبق السيناريو الثاني. ولسوء الحظ فإن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني الذي تم الإعلان عنه في شهر أبريل أظهر الأسبوع الماضي بالفعل انكماش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 20.4٪ على أساس شهري مسجلاً نسبة انكماش غير مسبوقة.

كما هو متوقع ترك البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير عند مستويات 0.0٪ -0.25٪ في اجتماعه الأسبوع الماضي، وقال البنك المركزي إن الاقتصاد يواجه مخاطر كبيرة على المدى المتوسط ​​، وأكد مجددًا التزامه باستخدام مجموعة كاملة من أدواته لفترة طويلة حسب الضرورة لتقديم الدعم للاقتصاد. وفي تعليقاته التي تلت الاجتماع، كان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول حازماً في الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة عند المستويات الحالية خلال الفترة المقبلة حيث قال: إننا لا نفكر حتى مجرد تفكير في رفع أسعار الفائدة. وقد أظهر الملخص الذي تم نشره مع البيان أن جميع الأعضاء باستثناء عضوين يتوقعون أن تظل أسعار الفائدة عند المستوى الحالي حتى عام 2022.

من ناحية أخرى أوضحت توقعات النمو الاقتصادي التي صدرت جنبًا إلى جنب مع البيان لماذا اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي وجهة النظر الحذرة هذه، حيث كشفت أن أعضاءه يتوقعون انخفاض معدل البطالة إلى 9.3٪ فقط في نهاية عام 2020 وإلى 6.5٪ في عام 2021، دون إشارة إلى العودة إلى مستويات ما قبل كوفيد-19 أي دون 4٪. ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 6.5٪ في عام 2020 قبل أن يرتد جزئيًا فقط في عام 2021 بنسبة 5.0٪، في حين كان من المتوقع أن يظل التضخم أدنى من هدف البنك المركزي حتى عام 2022. وفي حين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يقل ذلك صراحةً، أعطت توقعاته مصداقية للتوقعات الأخرى بأن هذا الانتعاش عندما يأتي سيكون على شكل رسم U البياني في أحسن الأحوال.

* رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين في بنك الامارات دبي الوطني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"