عاصفة مثالية

01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
تيم فوكس*

ضمن أحدث توقعاته الاقتصادية العالمية خفض صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي توقعاته للنمو العالمي لعام 2020، متوقعاً أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3 في المئة هذا العام، في أسوأ أداء سنوي منذ الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي. يتوقع الصندوق حدوث انكماش في كل من الأسواق المتقدمة (-6.1 في المئة) والأسواق الناشئة (-1 في المئة)، على عكس الأزمة المالية 2008-2009 عندما كانت الأسواق الناشئة لا تزال قادرة على تسجيل بعض النمو.
من بين الاقتصادات الكبرى، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الولايات المتحدة انكماشاً بنسبة 5.9 في المئة ومنطقة اليورو بأكثر من 7 في المئة، والمملكة المتحدة بنسبة 6.5 في المئة، في حين أن النمو الضئيل في الصين والهند (1.2 و1.9 في المئة على التوالي) يجعلهما الدولتين الوحيدتين اللتين تحولان دون أن يكون الركود العالمي أسوأ من ذلك.
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، خفض صندوق النقد الدولي كما هو منتظر توقعات النمو لعام 2020 في جميع أنحاء المنطقة أيضاً. ويتوقع الصندوق أن يسجل اقتصاد الإمارات انكماشاً بنسبة -3.5 في المئة هذا العام، بينما يتوقع أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة -2.3 في المئة. ومن المتوقع أيضاً أن يتزايد عجز الموازنات بشكل حاد هذا العام، مع احتمال أن تكون عمان والبحرين الأكثر انكماشاً في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة -16.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و -15.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. ويتوقع صندوق النقد الدولي حدوث عجز في الموازنة بنسبة -12.5 في المئة في السعودية و-11.1 في المئة في الإمارات هذا العام. ومع ذلك، من المنتظر أن ينتعش النمو في عام 2021 مع توقع نمو الإمارات بنسبة 3.3 في المئة والسعودية بنسبة 3 في المئة تقريباً.
وصف صندوق النقد الدولي التحديات التي تواجهها اقتصادات الأسواق الناشئة حالياً بأنها «عاصفة مثالية»، من حيث إنها شهدت انعكاساً حاداً في تدفقات المحفظة المسجلة، والتي بلغت نحو 100 مليار دولار، وهو ما وضع ضغطاً على المقترضين ذوي الانكشاف المالي المرتفع العالي والجدارة الائتمانية الأقل.
من المؤكد أن الأسبوع الماضي ظهر على شاكلة «عاصفة مثالية» من حيث التدهور الحاد في النشاط الاقتصادي الذي تم تسجيله. وكشفت المؤشرات الاقتصادية الأمريكية مثل الإنتاج الصناعي، وبناء المساكن الجديدة، والدراسات الاستقصائية للأعمال التجارية، ومبيعات التجزئة، عن انخفاضات شهرية وصلت إلى مستويات قياسية أو أصبحت قريبة منها. وصلت مطالبات البطالة الأولية في الولايات المتحدة على مدى الأسابيع الأربعة الماضية إلى 22 مليون طلب، أو ما يقارب نسبة 15 في المئة من القوى العاملة الأمريكية، وهو ما أدى إلى محو جميع مكاسب التوظيف الأمريكية فعلياً منذ نهاية الركود الأمريكي الأخير في ديسمبر 2009.
وأظهرت البيانات الدولية والصينية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.8 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، وهو أكبر انكماش منذ أن بدأت البلاد في الإبلاغ عن الأرقام الرسمية في عام 1992. المقلق بالطبع هو أنه في معظم العالم من غير المرجح أن يكون الربع الأول هو أسوأ فترات هذه الأزمة، حيث من المتوقع أن يكشف الربع الثاني عن تقلصات أكبر كثيراً في أماكن أخرى. وقد سمعت تحذيرات الأسبوع الماضي من أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني قد ينخفض ​​بنسبة تصل إلى 35 في المئة في هذا الربع، في حين أن تقديرات النمو الأمريكية هي كارثية كذلك.
ولكن بالتوازي مع جميع الأخبار السيئة التي كشفت الأسبوع الماضي، كان هناك بصيص أمل. حيث لوحظ على الأقل أن لدى الأسواق نظرة أكثر تفاؤلاً للوضع، حيث استعاد مؤشر S&P 500 نسبة 55 في المئة من خسائره خلال الربع الأول. وعلى الرغم من الألم الذي يتسبب به فقدان العديد من الوظائف، فإنهم يرون الضوء في نهاية النفق مع انخفاض عدد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» في بعض البلدان الأكثر تضرراً، وانخفاض معدلات الوفيات في بلدان أخرى. كذلك تتشجع الأسواق على وقع الإجراءات السريعة من قبل صانعي السياسة العالميين، والتي أدت إلى تفادي ما كان يمكن أن يكون أزمة اقتصادية أسوأ بكثير، ووضع أسس للانتعاش في نهاية المطاف، لدرجة أن الحديث يتحول بشكل متزايد نحو متى يمكن للاقتصادات أن تعاود نشاطها مرة أخرى، وهو أمر بدأت بعض الدول الأوروبية تشهده بالفعل.
كانت السياسات المالية والاقتصادية التي تم اتخاذها في جميع أنحاء العالم استثنائية من حيث أحجامها وسرعتها. ربما تكون الأسواق مزدهرة فقط من خلال ضخ كميات غير مسبوقة من السيولة في النظام المالي، وتخشى من محاربة الاحتياطي الفيدرالي، ولكن يمكن أيضاً ملاحظة أن خطوات التحفيز تجد طريقها أيضاً إلى المستخدمين النهائيين، مع بدء تلقي الأسر في الولايات المتحدة شيكات الإغاثة واللجوء كذلك إلى برامج إغاثة أخرى. ربما تكون التجربة العالمية أكثر اختلاطاً، ولا يزال هناك الكثير، وهو ما يتعين فعله، ولكن على الأقل لا يمكن القول: إن الحكومات والبنوك المركزية قد وقفت متفرجة. إذا ثبت في النهاية أن الإجراءات التي تم اتخاذها ما زالت ضئيلة جداً لمواجهة «العاصفة المثالية»، فربما تكون هذه نتيجة الضخامة الفريدة لهذه الأزمة، وليس بسبب ضعف الاستجابة.


* رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين لدى مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"