في أسئلة العواقب الاقتصادية لـ«كورونا»

01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
تيم فوكس *

قبل أسبوعين، شبه الرئيس ترامب تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لفيروس «كوفيد- 19» بمعركة بيرل هاربور واعتداءات 11 سبتمبر وألقى باللائمة على الصين.

أسبوع تلو الآخر تبرز أسئلة ومخاوف جديدة حول العواقب الاقتصادية وآثار فيروس «كورونا» على الأسواق ومستوى استجابة صناع القرار لهذه الجائحة. الأسبوع المنصرم لم يشكل استثناء، مع بروز ثلاث قضايا استقطبت اهتمام الأسواق.

إحدى هذه القضايا تمثلت في ازدياد المخاوف بشأن تجدد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين وانعكاساته على الأسواق المالية. قبل أسبوعين، شبه الرئيس ترامب تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لفيروس «كوفيد- 19» بمعركة بيرل هاربور واعتداءات 11 سبتمبر، وألقى باللائمة على الصين متهماً إياها بالتسبب بهذا الوباء ومهدداً بالانتقام.

وشهد الأسبوع الماضي اتخاذ الرئيس ترامب خطوات فعلية لمعاقبة الصين، أولى هذه الخطوات تمثلت في إصداره توجيهات إلى أحد صناديق معاشات تقاعد التي تتولى إدارة معاشات الملايين من الموظفين الفيدراليين بعدم الاستثمار في الشركات الصينية، مهدداً بأن الولايات المتحدة قد «تقطع علاقتها بالكامل مع الصين». أما الإجراء الثاني فتمثل في تشديده القيود المفروضة على شركة التكنولوجيا الصينية «هواوي»، عبر منع الشركات الأمريكية من بيع «هوواي» منتجات تم تصنيعها باستخدام تكنولوجيا أو أجهزة أمريكية.

قبل هذه الأزمة، برزت موجة تفاؤلية في الأسواق لناحية تحسن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لكن حالياً يبدو أن الجنوح نحو الأسوأ لم يعد يقتصر على الجانب التجاري؛ بل أخذ يمتد باتجاه الأسواق المالية. مع كون الصين ثاني أكبر حامل أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية، فإن الإجراء الذي اتخذه الرئيس الأمريكي قد ينطوي على مخاطر هائلة إذا بادرت الصين إلى الرد، خاصة مع حاجة الولايات المتحدة إلى إصدار ديون بتريليونات الدولارات هذا العام. ومع استمرار لعبة رمي الملامة وتحميل المسؤوليات حول فيروس «كورونا»، يبدو أن الأسواق ستضطر إلى تحمل المزيد من آثار التهديدات المتزايدة والمضادة والعقوبات والإجراءات الانتقامية خلال الأشهر القادمة، والتي من المرجح أن تبقي وتيرة المخاطر مرتفعة، خاصة خلال سنة الانتخابات الأمريكية.

وشهد الأسبوع الماضي، تكهنات حول عواقب الأزمة على السياسات النقدية والمالية، والتي أضحت تحتل مركز الصدارة. فعلى مستوى السياسة النقدية، كانت هناك تكهنات متزايدة حول اتجاهات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة؛ حيث يبرز في السوق احتمال انخفاض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ما دون الصفر للمرة الأولى، وسط ضغوط مستمرة من البيت الأبيض مصدرها حساب الرئيس ترامب على موقع «تويتر». مع ذلك، كرر رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، خلال حديث له هذا الأسبوع معارضته لاعتماد أسعار سلبية للفائدة، كما أن مسؤولين آخرين في البنك الاحتياطي الفيدرالي يرفضون اعتماد مثل هذه الاستراتيجية باعتبارها غير مناسبة للولايات المتحدة في هذا المنعطف.

وأكد باول أن «رأي اللجنة بشأن أسعار الفائدة السلبية لم يتغير. هذا ليس شيئاً نتطلع إلى القيام به».

بالإمكان إلى حد ما تفهم حركة الأسواق، فللمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية يبرز بوضوح أننا أمام مرحلة من الانكماش، مع تقلص النمو في الربع الأول من العام وهو أمر من المرجح أن يزداد سوءاً في الربع الثاني، ومع تحول التضخم إلى مستويات سلبية. في مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن تقوم بعض البنوك بالتحوط ضد إمكانية الانكماش، كما أنه سيكون من الطبيعي أيضاً أن يقوم آخرون بشراء أدوات التحوط ضد التضخم إذا كانوا يخشون من تسرب كمية غير محدودة من السيولة نتيجة عمليات التيسير الكمي التي ستضغط باتجاه ارتفاع الأسعار خلال الفترة القادمة. في هذه اللحظة، من الواضح أن خطر الانكماش هو الأكثر بروزاً، لكن لا ينبغي تجاهل أن هذا الاتجاه يمكن أن يصبح معكوساً بشكل سريع بمجرد أن يبدأ الوباء في التراجع.

ختاماً اجتذبت السياسات المالية المتخذة للتعامل مع الأزمة اهتمام المتابعين؛ حيث أعلنت المملكة العربية السعودية زيادة 3 أضعاف على نسبة الضريبة على القيمة المضافة، جنباً إلى جنب مع بعض التدابير الأخرى لاحتواء عجز الميزانية استجابة للانخفاض الحاد في أسعار النفط هذا العام. ووضعت وزارة الخزانة البريطانية أيضاً ورقة حول الخطوات التي قد يلزم اتخاذها لإصلاح ثقب بحجم 300 مليار جنيه إسترليني في مالية حكومة المملكة المتحدة في أعقاب الأزمة، تضمنت زيادات ضريبية وتخفيضات في حجم الإنفاق. وقد تعرضت ورقة السياسة البريطانية إلى انتقادات حادة، من بينها القول إنه سيكون من «الانتحار الاقتصادي» رفع الضرائب لخفض العجز، وحث المعارضون الحكومة البريطانية على تجاهل الديون في الوقت الحالي وتعزيز النمو كمخرج من الأزمة؛ حيث رأى المنتقدون لورقة الحكومة البريطانية، أن الدفع نحو توسيع الاقتصاد من شأنه مع الوقت أن يعالج عجز الموازنة من خلال سداده على مدار السنوات القادمة، عوضاً عن اللجوء إلى زيادة مفاجئة للضرائب. قد يصلح هذا الطرح أيضاً في السعودية التي في ظل الأهداف الطموحة لرؤيتها لعام 2030 قد تستفيد من اعتماد السياسات الدورية الداعمة للنمو، حتى مع استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المنخفضة حالياً.

* رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين في «الإمارات دبي الوطني»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"