كل شيء جميل يبدأ من الطفل، ومن فضائه التعليمي الأول (المدرسة)، وفي فلسفات التربية والتعليم الجديدة منها والقديمة تُعتبر المرحلة التأسيسية التي تبني شخصية هذا الكائن الصغير الجميل هي المرحلة التعليمية الابتدائية الموصولة مباشرة بالمرحلة الإعدادية.
التربويون والتعليميون أفضل منّي في توصيف البيئة الأولى التي تصنع شخصية الطفل، ومن أجمل مكوّنات هذه الشخصية المكوّن الإبداعي.
إذا كان الطفل يحمل في داخله العفوي الفطري بذرة الشعر، فالأرض الخصبة الأولى لهذه البذرة هي المدرسة، وإذا كان يمتلك نزوعاً أولياً إلى المسرح، فالمدرسة هي فضاء تدريبه الأول على المحاكاة والتقليد ومسك زمام اللغة، ومخارج الحروف، وقوّة الأداء على مسرح المدرسة إذا كانت هذه المؤسسة التعليمية محظوظة بمسرح أو مكتبة ومدرّسين مثقفين في مجالات الإبداع الأدبي والفني..
أكتب هذه المقدّمة في ضوء فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، وهو مهرجان تخصصي أساسي تماماً في مشروع الشارقة الثقافي ومن أعمدة هذا المشروع التثقيفي يأتي المسرح بكل أطيافه العمرية والثقافية، ومنها مسرح الطفل.
مسرح الطفل، وثقافة الطفل، وكتاب الطفل ثوابت أولية في مشروع الشارقة الثقافي منذ الثمانينات وإلى اليوم، ومن أجل الثقافة المسرحية الكشفية والمدرسية والجامعية تكوّنت في الشارقة مؤسسات قائمة على خبرات وكفاءات تدرك جيداً أهمية الحقل الثقافي الذي تتحرّك فيه، وأقصد بذلك حقل الطفولة.
يقول بعض أساتذة المسرح إن تدريب الطفل على الخشبة أهم وأصعب من تدريب ممثل احترافي في البروفة، التي هي العمود الفقري لما يُسمى (قبل العرض).
في داخل كل طفل طاقة مسرحية فطرية، تتمثل في التقليد.. تقليد حركات الإنسان أو الكائنات عموماً، ومحاكاة الصوت البشري أو أي صوت حيّ آخر: أصوات الحيوانات، أصوات الأشجار، أصوات الرياح، وغير ذلك من كائنات وأشياء تلتقطها عين الطفل.
يدرك جيداً أهل المسرح المتخصصون في بناء شخصية مسرحية طفلية عناصر هذا البناء الصعب، ويدركون أكثر، أنه ربما يولد من هذه التجربة المسرحية المدرسية فنان كبير ذات يوم، ويقف على الخشبة بقوّة، وقد تذكر معلمه المسرحي الأول الذي جعل منه بطلاً على نحو ما..
أبعاد كثيرة، خطيرة وجوهرية في صناعة المسرح المدرسي.. البوّابة الصغيرة الأولى المفضية إلى مسرح الاحتراف.
