عادي

نصوص منسية في دائرة التحليل الثقافي

23:33 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة – «الخليج»

عاشت إنجلترا فترة من أصعب فترات القرن ال 20 ما بين الحربين العالميتين، على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، ما جعل من هذه الفترة تاريخاً ثرياً على كل المستويات، تاريخاً قابلاً للاستدعاء على الدوام في الفترات المشابهة، وهو ما حدث بالفعل في أثناء السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حيث الأزمة الاقتصادية التي تمثلت أهم مظاهرها في إضرابات العمال، التي تعددت وتوسعت في صورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ إنجلترا.

إذا وضعنا ذلك جنباً إلى جنب مع فكرة الإمبراطورية، التي كانت لا تغرب عنها الشمس، والتي تعرضت للهجوم المباشر في أثناء الحرب الثانية، حين قصف النازي بطائراته لندن، التي تعرضت كذلك لتغيرات اجتماعية مهمة حين بدأت مطالبة المرأة بحق الاقتراع والمشاركة السياسية، فإن كل ذلك سوف يمنحنا فكرة عن الكيفية، التي يرى بها الإنجليز تغيرات القرن ال 20، وأثرها المباشر في حياتهم.

ويبدو كتاب «روجر بروملي» وعنوانه «نصوص سردية منسية عن السير الذاتية والسياسة والتاريخ المعاصر»، كأنه كتاب في النقد الأدبي، لا سيما الذي يهتم بالتحليل السردي، لكن القارئ المتفحص سوف يعلم أن روجر بروملي المتخصص في التاريخ، والدراسات الثقافية للشعوب، قد عامل بعض النصوص السردية، بوصفها وثائق، اجتماعية وتاريخية وثقافية.

وهو في هذا الصدد قد استخدم كل ما يمكن استخدامه من أجل أن يقوم بهذا التحليل، بخاصة نظريات النقد الثقافي والتحليل السردي، فليس غريباً إذن، أن تظهر ترجمتها إلى العربية في مجال تطبيقات النقد الثقافي، بعد أن امتلأت خزائن الكتب بمقولاته النظرية، المترجم منها، والمؤلَّف.

وربما تأتي أهميته من هنا، حيث يمنحنا فكرة عن منظومة الإجراءات التي يمكن أن يقوم عليها التحليل الثقافي، الذي يجب ألا يبتعد عن فكرة تحليل المجتمع ووثائقه الأدبية.

ويوضح المؤلف أنه كان مهتما بالدراسات الثقافية إلى أن فاز حزب المحافظين في أوائل الثمانينيات بالانتخابات العامة، ما جعله يتجه نحو دراسة الأسباب الثقافية، التي ساعدت على هذا الفوز، مقارناً إيّاها بالخطاب الثقافي الاجتماعي، فيما بين الحربين العالميتين، ومعتمداً في ذلك على مجموعة من السير الذاتية، التي كتبتها نساء ينتمين إلى الطبقة العمالية في ليفربول، ما يجعل من هذه النصوص رصداً حقائقياً مغلفاً بالتعبير الأدبي المعبّر عن طبيعة الفترة، إضافة إلى اعتماده على بعض النصوص السردية الخيالية المشابهة لتقنية كتابة السير الذاتية، لكن السمة الأهم في كل هذه النصوص السردية أنها لاقت رواجاً كبيراً في فترة السبعينيات، بالقدر الذي تعددت معه طبعاتها في أشكالها المختلفة.

غير أن المؤلف يدعم رؤاه كذلك بطرح النقاش حول معارض الصور الفوتوغرافية، وخطب السياسيين، بخاصة مارغريت تاتشر، وكل ما يمكن أن يمثل وثيقة ثقافية على الفترة التي توجد فيها، وبالتالي فإن الكتاب الذي يبدو في البداية مجرد نظرات أدبية تحليلية، يتضح في النهاية أنه بحث أكاديمي.

إن السرد يحكى ليبقى وينتشر عبر طبقات المجتمع، لكن هذا الكتاب بمناقشاته المستفيضة للتاريخ، يركز على ما يجعل بعض النصوص السردية تبقى، وبعضها الآخر يتم فقده، ونسيانه، ليس لعيب فيه، لكن لأن المجتمع الذي استقبله في المرة الأولى قد تغيرت ظروفه وثقافته، ربما يبدو الكتاب في بعض أجزائه معقداً، نظراً للتداخل النظري بين علوم عدّة، لكنه في أجزائه ذات الصلة بالنصوص السردية، يبدو ممتعاً شيقاً قابلا للتطبيق بإجراءاته التحليلية على الثقافات المختلفة، إنه كتاب يمزج بين السياسة، والتاريخ، والأدب، والأنثروبولوجيا، في بوتقة التحليلات الثقافية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cwr469a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"