د. رامي كمال النسور *
من أهم الأسباب التي تساعد على انتشار هذه العملات، هو إصدار البنك المركزي في دولة ما للعملات الرقمية تخضع لرقابته وللإشراف عليه (CBDCs) وتستكشف العديد من البنوك المركزية إمكانية إصدار عملاتها الرقمية الخاصة بما يمكن أن يؤثر في تطوير واعتماد العملات الرقمية للبنوك المركزية بشكل كبير على مشهد العملات الرقمية.
وحسب دراسة نشرت في شهر حزيران 2023، فقد أطلقت إحدى عشرة دولة، بما في ذلك عدد من البلدان في منطقة البحر الكاريبي ونيجيريا، بالفعل العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) كما هي معروفة، في حين يصل الاختبار التجريبي في الصين الآن إلى 260 مليون شخص ويغطي 200 سيناريو من التجارة الإلكترونية إلى مدفوعات التحفيز الحكومية.
ويخطط اقتصادان ناشئان كبيران آخران، الهند والبرازيل، لإطلاق عملات رقمية في العام الحالي، ويسير البنك المركزي الأوروبي على الطريق الصحيح لبدء برنامجه التجريبي لليورو الرقمي قبل الإطلاق المحتمل في عام 2028، بينما ستتخذ أكثر من 20 دولة أخرى أيضاً خطوات مهمة نحو البرامج.
وأخيراً يمكن أن يؤدي دمج العملات الرقمية مع الخدمات المالية التقليدية، مثل، الخدمات المصرفية والإقراض وإدارة الأصول، إلى زيادة شرعية وتطبيع استخدامها. تقدم المؤسسات المالية بشكل متزايد الخدمات المتعلقة بالأصول الرقمية، مثل، منتجات الحفظ والتداول والاستثمار، ما يشير إلى القبول المتزايد للعملات الرقمية داخل قطاع التمويل التقليدي.
بعد أن تحدثنا فيما سبق عن هذه العملات الرقمية والأسباب التي قد تساعد على توسع استخدامها، فإنني فيما يأتي سأسعى لتوضيح العوامل التي قد تتحكم في اتجاهات أسعارها في الأسواق.
إن التنبؤ بالأسعار المستقبلية للعملات الرقمية، مثل، البيتكوين أو الإيثريوم، هو أمر تخميني للغاية ويخضع لعوامل عديدة، بما في ذلك: معنويات السوق، ومعدلات التبني، والتطورات التنظيمية، والتقدم التكنولوجي، واتجاهات الاقتصاد الكلي، والأحداث الجيوسياسية. رغم أنه من المستحيل تقديم إجابة محددة حول الاتجاه الذي ستتجه إليه الأسعار في عام 2024، إلا أنه يمكنني تقديم بعض الأفكار حول العوامل المحتملة التي يمكن أن تؤثر على أسعار العملات الرقمية، فقد يؤدي زيادة اعتماد الأفراد والشركات والمؤسسات إلى زيادة الطلب على العملات الرقمية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
كما يمكن أن تؤثر التطورات التنظيمية بشكل كبير على أسعار العملات الرقمية. فاللوائح التنظيمية المواتية قد تشجع التبني والاستثمار، في حين أن الأنظمة غير المواتية يمكن أن تؤدي إلى التقلبات وعدم اليقين.
أما معنويات المستثمرين وشغفهم وسعيهم دائماً للربح السريع، فإنه يلعب دوراً مهماً في تقييم العملات الرقمية، فالمعنويات الإيجابية، المدفوعة بعوامل مثل، التقدم التكنولوجي أو التبني المؤسسي، يمكن أن تدفع الأسعار إلى الارتفاع، في حين يمكن أن تؤدي المعنويات السلبية إلى انخفاض الأسعار.
وأيضا يمكن أن تؤثر الظروف الاقتصادية، مثل التضخم وقرارات السياسة النقدية والتوترات الجيوسياسية، على سلوك المستثمرين وأسعار الأصول، بما في ذلك العملات الرقمية.
قد يؤثر ظهور العملات الرقمية الجديدة والمشاريع المبتكرة على ديناميكيات السوق والمشهد التنافسي، مما يؤثر على الأسعار، فبعد أن كانت البيتكوين هي أول هذه العملات أصبح الآن لدينا آلاف منها.
وأخيراً وليس آخراً، وكما هو الحال مع أي سوق مالي، تكون أسواق العملات الرقمية عرضة للتلاعب، ما قد يؤدي إلى تقلبات الأسعار على المدى القصير.
إذا أردنا الحديث عن توجهات الأسعار للعملات الرقمية من الضروري التعامل مع التوقعات المتعلقة بأسعارها بحذر شديد، حيث إن السوق متقلب بطبيعته ولا يمكن التنبؤ به، وينبغي للمستثمرين إجراء بحث شامل، والنظر في قدرتهم على تحمل المخاطر، وتنويع محافظهم الاستثمارية وفقاً لذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإن طلب المشورة من المتخصصين الماليين أو الخبراء في هذا المجال يمكن أن يساعد على اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
وهنا وبناءً على ما سبق، فإنني أتوقع في حال أن ظلت العقوبات المالية على روسيا وبعض الشركات الصينية أو الصين نفسها، ومع حدوث المزيد من الاضطرابات في منطقة أوروبا خاصة الحرب الروسية الأوكرانية، فإنني أتوقع زيادة الطلب على هذه العملات، ما يعني وجود سبب رئيسي لارتفاعها خاصة إذا استمر شغف المستثمرين نحو الربح السريع وصاحَب ذلك قيام بعض الأشخاص مثلاً باستخدامها كقناة لنقل الأموال غير المشروعة مثلاً، ولكن أود أن أحذر أنه في حال أن مثل هذه الحرب توسعت في أوروبا ودخلت فيها دولاً أخرى، فربما تعود الدول للعملات الورقية مثل، ما لمحت السويد إلى ذلك مؤخراً عندما أصدرت قانوناً يسمح بالتعامل في العملات الورقية للتبادل خشية حدوث حرب تكون هي طرفاً فيها.
وأختم بأن هنالك سؤالاً تمّ توجيهه لي من قبل العديد من الأشخاص حول توافق العملات الرقمية غير الصادرة عن البنوك المركزية مع الشريعة الإسلامية؟، وهو ما يعد مسألة دقيقة، وهنا أوضح، وليس هذا إجابة مني فلست من أهل الفتوى، وهو أنه تختلف الآراء بين علماء المسلمين، ويرى بعضهم أن العملات المشفرة متوافقة مع المبادئ الإسلامية، في حين أثار آخرون مخاوف بشأن طبيعتها المضاربة وافتقارها إلى القيمة الجوهرية، ومع تطور فهم العملات المشفرة وتطور الأطر التنظيمية، قد تتطور أيضاً تفسيرات توافقها مع الشريعة الإسلامية.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
