عادي
ذاكرة الأيام

لويس باستور.. أب مكلوم فقد أبناءه ينقذ ملايين البشر

01:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد:عبير حسين
في قبو مذهل يصوّر إنجازاته على شكل فسيفساء بيزنطية، يقع أسفل معهد علمي كبير يحمل اسمه، دُفن عالم الكيمياء الفرنسي لويس باستور، أحد عباقرة العلوم عبر التاريخ، وأحد أهم مؤسسي علم الأحياء المجهرية في الطب، الذي يصادف اليوم ذكرى نجاحه في اختبار لقاح ينقذ المصابين ب«داء الكلب» في العام 1885 بعدما كان الموت المحقق مصير الملايين.
استخلص باستور لقاحه الجديد من الأرانب المصابة بالفيروس، وما زالت هذه اللقاحات تستخدم في بعض الدول حتى اليوم، كونها أرخص من الطرق الحديثة. اهتم باستور ببحث أسباب الأمراض وسبل الوقاية منها، وساهمت اكتشافاته الطبية بتخفيض معدل وفيات حمى النفاس وإعداد لقاحات مضادة لداء الكلب والجمرة الخبيثة، كما دعمت تجاربه نظرية جرثومية المرض. واشتهر لدى عامة الناس بسبب اختراعه طريقة لمعالجة الحليب لمنعه من التسبب في المرض، وهي العملية التي أطلق عليها لاحقاً مصطلح «البسترة».
المثير للاهتمام عند التعرف إلى باستور أنه كان طالباً متوسط المستوى في سنواته الدراسية الأولى، وكان التصوير والرسم كل اهتماماته، كما حصل على درجته العلمية الأولى في الآداب عام 1840، ومن بعدها حصل على درجة ثانية في العلوم من مدرسة الأساتذة العليا 1842، ومن بعدها بأقل من 5 سنوات أنجز رسالته العلمية للحصول على درجته في الدكتوراه.
عمل باستور مدرساً للكيمياء في جامعة ستراسبورج وتزوج من ابنة مدير الجامعة، ورُزق منها ب 5 أبناء، توفي منهم 3 بعد إصابتهم بمرض «التيفويد» ودفعته آلامه الشخصية كأب مكلوم في تخصيص كثير من مجهوده في البحث عن لقاحات ضد الأمراض التي تسببها الجراثيم والفيروسات. وتحتفظ ذاكرة التاريخ بمحاورة شهيرة بينه وبين أحد أصدقائه الذي قال له يوماً بعد وفاة ثالث أبنائه: «إن تتابع عملك في مثل هذه الظروف القاسية فهي جرأة ما بعدها جرأة»، فرد عليه باستور: «أجهل يا صاحبي كل ما يتعلق بجرأتي كل الجهل، ولكن أعلم ما يتعلق بواجبي كل العلم».
كشفت أبحاث باستور أن نمو الكائنات الدقيقة هو المسؤول عن إفساد المشروبات، مثل الحليب، وأكد أن عملية تسخين السوائل يمكنها القضاء على أغلب أنواع البكتيريا الموجودة داخله، وأنجز أول تجاربه الناجحة بالتعاون مع كلود برنار عام 1862، وبعد ذلك بوقت قصير سميت هذه العملية «البسترة». وعلى الرغم من أن «البسترة» أشهر اكتشافات باستور، فإن أهمها كان عمله على إنتاج لقاحات صناعية للحماية من الإصابة ببعض الفيروسات التي كانت سبباً وراء إصابة الملايين حول العالم وقتها بأمراض مهلكة لا نجاة منها، وأهمها كان لقاحه ضد الكوليرا التي تصيب الدجاج، ولقاحه ضد داء الكلب.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مفهوم «اكتساب المناعة» بعد التطعيم بكمية محددة من نفس الفيروس المسبب للمرض لم يكن جديداً، وكان معروفاً في الأوساط الطبية الأوروبية منذ نهاية القرن السابع عشر، خصوصاً بعد انتشار مرض «الجدري» عندما اكتشف إدوارد جينر أن التلقيح بالجدري كان يؤدي إلى تقليل الندوب وتخفيض معدل الوفيات إلى حد كبير مقارنة مع المرض المكتسب طبيعياً، لكن باستور كان له السبق العلمي في اكتشاف لقاحات صناعية، واعتبر ذلك ثورة علمية مهمة في محاولة القضاء على الأمراض المعدية. كما كان أول من لفت الانتباه إلى أهمية عملية التعقيم قبل إجراء العمليات الجراحية (الأيدي، والأدوات المستخدمة، وغرف العمليات)، لأنها تحمل ملايين الجراثيم التي يحفل بها الهواء.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"