واشنطن لا تعتذر

05:00 صباحا
قراءة دقيقتين
لم تتوقع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تلقى من الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتذاراً عن فضيحة التجسس الأمريكي على الحلفاء الغربيين، وعلى هاتفها الخلوي بشكل خاص، لدى اجتماعهما في البيت الأبيض الذي استبق إعلامياً بالكثير من القراءات والتحليلات، حول ما سيكون عليه الفعل ورد الفعل، وجاء المؤتمر الصحفي في ختام المباحثات لتأكيد هذه الحقيقة، وتثبيت واقع مفاده أن الخلاف ما زال موجوداً .
أوباما وميركل أقرّا بأن الخلاف ما زال قائماً، وقال الأول إنه ليس لديهما أي اتفاق عام بشأن حظر التجسس مع أي بلد، أو مع أي من الشركاء الأقرب، وأكد أن الولايات المتحدة تعمل في سبيل "عدم حصول أي سوء تفاهم" مع الأوروبيين .
لا عجب في أن ترفض الولايات المتحدة الاعتذار علناً عن تدخلها السافر في شؤون حلفائها، ووصولها إلى مرحلة غير مسبوقة من التدخل تتمثل في التجسس على زعماء الغرب الذين ما انفكوا يدعمون سياساتها، ويفتحون أبواب بلادهم أمام تدخلاتها في شؤون الغير .
لكن ما يثير العجب أن دولاً تزعم أنها كبرى وذات سيادة مثل ألمانيا، تسمح لمثل هذه المهزلة أن تتحول إلى سيف مسلط على زعمائها وحكوماتها، وتفشل في كشف التجسس الأمريكي، وعندما يكشفه طرف ثالث فإنها تفشل مجدداً في إبداء رد الفعل المتناسب مع فعل التجسس وما ينطوي عليه من انتهاك لكل مبادئ الأحلاف أولاً، وسيادة الدول ثانياً .
واشنطن لا تعتذر لحليف ولا لعدو، وتلك قاعدة لها استثناء وحيد يتمثل في "إسرائيل"، التي تلقت اعتذارات و"توضيحات" خلال الأيام القليلة الماضية من الإدارة الأمريكية، حول تصريحات عن عملية التسوية، وتحميل الكيان المسؤولية عن فشلها، والتحذير من تحوله إلى دولة عنصرية، قد تكون واشنطن لم تضطر إلى تقديم مثلها على مدى عقود مضت إلى جهات أخرى .
تلك ببساطة مبادئ القوة الغاشمة، والتعريف الحي لمصطلح "الدولة المارقة" الذي أنتجته واشنطن لتصم به كل دولة تعاديها سياسياً، في سياق الحرب العالمية "الثالثة" الجارية حالياً، التي تستخدم سلاح الإعلام والدعاية وتجنيد العملاء وبناء طبقات من المتمولين في أكثر من دولة، وتوظّف مبادئ حقوق الإنسان العالمية في سياق التدخل في شؤون الدول، ولا تعرف من القانون الدولي إلا ما يسمح لها بالاستمرار في انتهاك الحقوق العالمية، وبسط هيمنتها على الشعوب، وهذا ما يجعل من الولايات المتحدة رأس حربة ضد الحقوق المشروعة للشعوب، وضد كل حركات التحرر من الاستعمار بشكليه الحديث والتقليدي .
الاعتذار بالنسبة لواشنطن لا يعني إلا أمراً واحداً، هو الإدانة الكاملة بالجريمة المشهودة، وهذا ما سيؤدي بالتالي إلى فتح آلاف الملفات التي تورطت فيها الإدارة الأمريكية على مدى السنوات الماضية، والجرائم التي تتخطى في فداحتها التجسس على الحلفاء، ولذلك ليس من المنتظر أن نسمع اعتذاراً أو تعبيراً عن الأسف، أو حتى تبريراً ممجوجاً لأي سلوك أو سياسة تنتهجها الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الشؤون الدولية .

محمد عبيد
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"