الشارقة: عثمان حسن
كرَّم عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة صباح أمس في متحف الشارقة للفنون، الفائزين بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي في دورتها الثامنة، والتي جاءت تحت عنوان «الفنون الجديدة وآفاقها في العالم العربي» كما كرم لجنة تحكيم الجائزة وذلك بحضور محمد القصير، أمين عام الجائزة، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة.
فاز بالجائزة ثلاثة باحثين من المغرب هم: فاطمة الزهراء الصغير في المركز الأول عن بحثها (فتنة الفنون الجديدة من التاريخ إلى الجغرافيا)، إبراهيم الحيسن في المركز الثاني عن بحثه (التشكيل العربي الراهن وكارتوغرافيا الفن الجديد)، وإبراهيم الحجري في المركز الثالث عن بحثه (مستقبل الفنون الجديدة وفن الديجيتال).
وتشكلت لجنة تحكيم الجائزة من: الدكتور شاكر عبد الحميد «مصر»، د. شربل داغر «لبنان»، وفاروق يوسف «العراق».
وقال محمد القصير: «لقد أظهرت الجائزة الاهتمام بالبحث الفني التنظيري وأعطته مكانة مرموقة، كما أبرزت جهود النقاد والأكاديميين، وبذلك عززت من شأن النقد كونه موازياً إبداعياً للعملية الفنية، وكانت نتيجة هذا الاتجاه تفرد الجائزة على الساحة العربية، ونحن على ثقة بأن هذه الجائزة ستستمر في متابعة الأفكار المتفردة وتحفيز البحث النقدي التخصصي في مجالات الفنون التشكيلية والبصرية».
ألقى د. شاكر عبدالحميد كلمة لجنة التحكيم ملخصاً إجراءات عمل اللجنة التي وصلها نحو 20 بحثاً اختارت من بينها الأبحاث التي انطبقت عليها معايير ومحددات الجائزة، من حيث توفر الشروط المعنوية والجدة والإضافة والاستنتاجات النقدية ومراعاة تنوع الأبحاث، والربط بين فنون التشكيل والفنون الإبداعية المختلفة، وأيضاً تفاعلية الفنون وترجمتها للأفكار والطروحات المختلفة.
فيما ألقت فاطمة الزهراء كلمة الفائزين، وجاء فيها: «إننا في مختبر النقد نعتقد وبكل تواضع بأن مشكلة المؤسسات الفنية في العواصم العربية المعروفة التي كانت سبَّاقة لممارسة الفن التشكيلي صارت اليوم سجينة التاريخ ومشكلاتها الداخلية، ومن حسن الحظ أن برزت متاحف وصالات في الإمارات العربية المتحدة، عوضت هذا الغياب بوصفها الأكثر من غيرها في مواكبة الفنون الجديدة في كل من العاصمة أبوظبي وفي دبي والشارقة، وهو ما يؤكد على أهليتها للعب دور فني وثقافي مستمر ومتفاعل على المستويين العربي والعالمي».
بدوره ألقى شربل داغر كلمة أكد فيها على أن اختيار لجنة التحكيم لموضوع الجائزة كان فيه قدر من الجرأة بالمعنيين المعرفي والفني للكلمة، سيما وأن هذا الموضوع لا يزال مجالاً للأخذ والرد ليس على المستوى العربي فقط، وإنما العالمي أيضاً.
وقال: «إن مصطلح الفنون فيما يتعلق بالتسمية (جديد أو معاصر) لم يستقر حتى الآن، وهاتان التسميتان لا تحملان من المعاني والدلالات ما طرأ على الفنون العالمية من انعطافة جديدة، سيما وأن الفنون اليوم تفترق عما كانت عليه قبل قرون، وهو الذي يحتم علينا إعادة النظر في هذه التسميات بمراعاة مستجدات مؤسسات الفنون، وسوق الفن، وفرادة المتاحف العربية والعالمية، ناهيك عن أعمال الفنون ذاتها».
تلا ذلك ندوة فكرية تحت عنوان (الفنون الجديدة وآفاقها في العالم العربي) بمشاركة الفائزين وأدار الندوة د. شربل داغر.
قدمت فاطمة الزهراء ملخصاً لبحثها الذي استندت فيه إلى فرضية «أننا نعيش في مرحلة تبدّلت فيها مفاهيم الفن كما تعارفت عليه البشرية منذ عصر النهضة، وذلك في خضم الهجوم الكاسح للتكنولوجيا».
وجاءت مداخلتها على ظروف اختيارها لبحثها، مؤكدة أن الفنون لم تسلم من حمى التغيير الذي أفضى بها بعد خمسين عاماً من ظهور الفن المعاصر إلى أشكال جذرية تستعصي على التصنيف، وتقاوم الأرشفة إلى درجة أن ما اعتبرناه سابقاً أشكالاً فنية جديدة كالإنشاءات الفراغية و«البيرفورمانس»، صارت اليوم تندرج ضمن الكلاسيكيات المعاصرة المألوفة جداً مقارنة مع ما تشهده الساحة الفنية من أعمال كان من المستحيل اعتبارها فناً من الأصل منذ عقدين من الزمن.
وقالت: «إن مهمة بحثها الفائز قد تبدو بسيطة، ولكنها في الحقيقة معقدة لكون أي تفكيك لمجال الفنون الجديدة، يظل مؤقتاً قد تعصف به متغيرات جديدة، ربما تحصل في الغد القريب ولا يمكن التكهن بها».
واختتمت ورقتها بذكر سبع أطروحات وثلاثة أسئلة منها: أن الفنون الجديدة في العالم العربي هي مزيج من أشكال فنية ظهرت في أمريكا بعد الحرب العالمية، كرد فعل عنيف ضد تقليدية الفن، وأن الأساس الذي تنهض عليه هذه الفنون هو الفرضية البصرية للوجود، وأنها هي المسمار الجديد الذي يدق في نعش الحضور المادي، وأنها تمثل إشارة بليغة إلى أفول اللامرئيات، وأن الديجيتال هو لب الفنون الجديدة وجوهرها.
بدوره تحدث إبراهيم الحيسن عن بحثه الفائز، مؤكداً على جملة من الأفكار التي مهد من خلالها لخمسة أقسام تقارب المنجز التشكيلي العربي الراهن في ضوء خرائط الفن الجديد مع الاستشهاد بنماذج فنية عربية استطاعت بجهود متباينة إثبات الذات والشخصية الإبداعية.
وأوضح أن أقسام بحثه قد تعززت بمقدمات تمهيدية ترسم السياقات الجمالية والتاريخية التي أرخت لهذا الفن الجديد، وأسهمت في ظهور وانتشار مجالاته المعروفة بفنون ما بعد الحداثة كفن التصميمات التشكيلية، والمفاهيمية، والواقعية الجديدة، والمينمال، وفن البيئة والأرض، وفن الحدث، وفن الجسد وحركة الفلوكس والسبرانية، فضلاً عن الوسائطية وتوظيف التكنولوجيا والبرامج الحاسوبية في العملية الإبداعية.
وتناولت ورقة الدكتور إبراهيم الحجري بحثه «فن الديجتال في العالم العربي»، ولفت فيها إلى انعكاسات ثورة الاتصال، وتأثيرها في المجتمعات الصغيرة، وتفاقم إشكالية الهيمنة، واتساع الفوارق بين الشمال والجنوب، فضلاً عن الحديث المستفيض حول سيادة العالم الافتراضي على العالم الواقعي، واجتياح منطق السرعة لكافة مناحي السلوك البشري.
وقال الحجري: «يكتسب سؤال مستقبل الفنون الجديدة في العالم العربي مشروعية قوية تتمثل في استشراف آفاق تفاعل العرب مع السياقات الفكرية والثقافية الجديدة في ضوء المبتكرات التكنولوجية المتسارعة التي تمس كل جوانب الحياة البشرية».
ووقف على بعض المفاهيم الملتبسة التي تتعلق بمستجدات الفنون عند العرب والغرب على حد سواء في شتى تمظهراتها واتجاهاتها، مبيناً الفروق بينها، وأهلية كل منها في ملاءمة الوضع الفني الجديد الذي يلمح للحاضر ويستشرف المستقبل.
وخص الحجري جزءاً من ورقته للحديث عن الوسيط الرقمي الذي اكتسح مجالات المعرفة الإنسانية بقوله: «لقد عصف العصر الرقمي بكل التصورات التقليدية فأرسى مفرداته وقاموسه وأدبياته النقدية بعيداً عن التجزيئية والاستقلالية وخلخل النسق القديم في الرؤية للفنون».